عندما قدم موسى أول آية ومعها الحجج الذي أفحمت فرعون ، ونقول أرهبت الجبار عندما ذكر له أن العذاب على من كذب وتولى ، وذكر آيته الباهرة في الخلق والتكوين ، وخص بالذكر ما يتعلق بالزراعة والنيل ، عندئذ تقرر أنه إذا كانت فكرة الإيمان قد راودته ، ففكرة السلطان قد عاودته ، ولا يتخلى ملك ولو كان غير فرعون عن سلطانه طوعا واختيارا فلا بد من مقاومته ، وقد خشي أن يتسرب الفكر من المؤمن إلى قومه فجاء المصريين من ناحية ما يحرصون عليه ، وهو حرصهم على سلامة أرضهم ، وأن يكون الحاكم فيهم منهم ، ولو كان فرعون ، فقال:{ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى 57 فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلقه نحن ولا أنت مكانا سوى 58} .
أتاهم من ناحية ما يحرصون عليه ، وهو أرضهم ، وأدخل قومه ليثير حميتهم ، وقد خشي من موسى عندما انفرد بالقول معه ، قد أفزعه بذكر ربه القوي القهار ، الذي يُزيل ملك فرعون ونفسه بكلمة إن أرادها ، ولقد قال في ذلك الزمخشري كلمة مصورة حاله:"إن فرائصه كانت ترتعد خوفا مما جاء به موسى عليه السلام ، وإيقانه أنه على الحق ، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت ، وأن مثله لا يخذل ولا يقل أنصاره ، وأنه غالب على ملكه"، وذلك ما كان ، فقد أزاله وملكه ، وغرق في البحر هو وجنوده الذي تحكم بهم في رقاب المصريين ، قال تعالى:{ أجئتنا}هذا استفهام للتنبيه ، وحث الهمم على المقاومة والمحاربة لإنكار الذي جاء خوفا من أن يتسرب إلى نفوسهم ، كما تسرب لنفسه بالفزع والإرهاب والتخويف ، ولكيلا يسري إلى نفوسهم كما سري إلى نفسه الفرعونية ، وإن كانوا دونه حرصا ، لأن ما يملكونه قليل يتفضل به عليهم ، وقال:{ لتخرجنا من أرضنا بسحرك} لتخرجنا من أرضنا يعترف بأنها أرضهم وأرضه ، وأنه لا ينفرد بملكيتها ، وهو القائل لهم:{. . .أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي . . .51} ( الزخرف ) ، ويقول:{ بسحرك} كأنه لفزعه وخوفه حسب أن السحر يخرج من الأرض ، ولعله كان يعتقد ذلك ، لأن السحر كان عندهم علما يغير ويبدل ، ولكنه كان يستحث قومه على المقاومة ، ولذلك قال{ فلنأتينك بسحر مثله} .