{ فلنأتينك بسحر مثله} .
وهنا يجب الالتفات إلى كلمة قالها في هذه الحوْمة من الجدل ، فلقد نادى موسى قائلا{ يا موسى} استدرارا لمحبته ، وتذكيرا له بسابق تربيته بينهم ، إذ قال من قيل:{. . .ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين 18} ( الشعراء ) ، وهذا يدل على فزعه واضطرابه وتلمس الأمن من أي جانب يكون فيه أمن واطمئنان ، ولقد أقسم بما يقسم به عندهم ، موثقا قوله عليهم مطمئنا إليهم{ فلنأتينك بسحر مثله} "الفاء"للسببية ، أي بسبب سحرك لنأتينك بسحر يماثل سحرك ، أقسم على قومهم استحثاثا لهممهم واستدرارا لمعونتهم في هذا الكرب النفسي ، وأكد قوله ب "نون"التوكيد ، وب "لام"القسم ، وقال{ مثله} شعورا بالضعف ، وأنه لا يزيد عليهم فهو ليس عنده طاقة بالزيادة
ولذلك أراد اللقاء في معركة ، ولم يجرؤ على أن يعين هو مكانها وزمانها وترك لموسى أن يعد الأمر ويبين الموعد ، فقال:{ فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى} ، تلطف فرعون الجبار مع موسى الكليم ففوض إليه أن يختار هو الزمان والمكان الذي تكون فيه المغالبة يين سحرهم وعصى موسى ، ولا شك أن هذا التلطف كان يمكن أن يكون مطمعا للإيمان لولا الملك وطغيانه ، وأن مصر بلد السحر ، وأن سحرتها كانوا علماءها ، وقوله:{ موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}{ موعدا} مفعول ب{ فاجعل} وكذلك{ مكانا} و{ سوى} أي مكانا عدلا ووسطا بين الفريقين لا يشق علينا ولا عليك ، وهو صالح لأن يجتمع فيه الناس . وقوله على لسان فرعون{ لا نخلفه نحن ولا أنت} ، أي لا نخلف فيه الوعد ، وقدم نفسه ومن معه في عدم الإخلاف تطامنا ، وتلطفا في القول ، ثم تحدث عن موسى تلطفا معه ، فقال{ ولا أنت} . و{ موعدا} مصدر ميمي بدليل{ لا نخلفه} فالوعد هو الذي لا يخلف ، والإخلاف عدم الالتزام ، فالتزام فرعون بالموعد الذي يعينه موسى ، والموعد يتضمن التعريف بزمان اللقاء ومكانه ، وقد