تلك موعظة الله لفرعون ، وتلك آياته ، ولقد قال تعالى بعد ذلك إنه أبى فقال تعالى:{ ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى 57} .
آتى الله تعالى موسى تسع آيات بينات ، كما قال تعالى:{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات . . .101} ( الإسراء ) ، وذلك لرسوخ الكفر في نفس فرعون وقومه ، فكان لابد من قوارع جسيمة تقرع حسهم لتخرجهم من كفرهم الذي كثفته السنون المتوالية ، وتكثف بالحضارة المستمكنة ، والعلم المادي الذي كانوا عليه ، ولقد بدأهم موسى بالعصا واليد البيضاء من غير سوء ، ثم توالت الآيات:الجراد والقمل والضفادع والدم آيات البيضاء من غير سوء ، ثم توالت الآيات:الجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ، والرجز ، وكل ذلك لم يجد في القلب الجاسي المتصلب ، والقلوب الخائفة التي تحسب أن الخنوع للفراعنة دين يتبع ، ولذا قال:
{ ولقد أريناه آياتنا كلها} وهذا النص يفيد أن الآيات كلها خوطب بها كل واحدة في ميقاتها ، وعند الحاجة إليها ، والوعد بالإيمان إذا رفعها الله ، كما وعدوا بالإيمان إذا رفع الله الرجز عنهم ، ولكنه رفعه ، ( فبغوا ) وقبل أن نتكلم في أمر المعجزة الأولى وهي العصا نذكر أمرين ، أولهما:أنه سبحانه وتعالى أكد أنه أبى وقد أعطاه الآيات كلها مبينا لها ، واحدة بعد الأخرى مع أنه لم يبين هنا إلا آية واحدة وهي العصا ، والجواب عن ذلك أن هذا النص الحكيم حكم عام على إبائه وتجبره واستكباره ، وقد جاءته الآيات كلها ، والإباء ختام لما قدمه موسى ، فقد أكد الله تعالى أنه بين له الآيات كلها ب"اللام"و"قد"، والتأكيد بكل ذلك حق لا ريب فيه ، ولكنه اختص أولى الآيات ، لأنها التي كانت بها الصدمة الأولى .
الأمر الثاني:لماذا اختص الله سبحانه وتعالى فرعون بالذكر ولم يذكر قومه إلا تابعين ، ففي قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يذكر المشركون ويشار إلى زعمائهم ، أما هنا فيذكر فرعون بالأصالة ، وربما يذكر قومه بالإشارة ، عندما يكون رجز يعم ولا يخص ؟ والجواب عن ذلك أن قريشا كانوا أحرارا في تفكيرهم ولو باطلا ، فلم يكن فيهم ملك أو طاغية يفرض رأيه ويقول لهم ما أريكم إلا ما أرى ، وأما أهل مصر فقد رضوا أن تندغم إرادتهم في إرادته حتى صاغ له أن يقول:أنا مصر ومصر أنا وتلك خاصته فيهم ، وقد رأينا بعضها الآن في عهد طاغية مضى: