العناد والمواجهة بالآية
استعلى فرعون على الخلق ، واختبر الله به أهل مصر اختبارا شديدا حتى إنه فرض عليهم أن يجعلوه إلها فجعلوه ، وفرض عليهم عبادة العجل فعبدوه ، وأوجب عليهم أن يلغوا عقولهم في عقله ، ورأيهم في رأيه ، حتى إنه ليقول لهم ما رأيكم إلا ما أرى أهديكم إلا سبيل الرشاد ، فبين الله تعالى أنه من الأرض ، ويعود إلى الأرض ، ثم يكون الحساب الشديد على ما قدم من عمل ، ولذا قال تعالى:{ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى 55} .
فعظامه ولحمه نبت من تراب ، فآدم أبوه ، وأبو الخليفة خُلق من طين ، ثم كان غذاء ذريته من نبات الأرض الذي ينبت في الطين ، ومن حيوان الأرض الذي يتغذى من نباتها ، وهكذا كان لحمه ، ولقد كان خطاب الله تعالى لفرعون الذي استكبر واستعلى ليخفف من غلوائه .
وما أن تنتهي حياته في الدنيا حتى يعود إلى الأرض التي نبت منها ، وصوره الله من طينها ، ولذا قال تعالى:{ وفيها نعيدكم} بأن تدفنوا فيها ، وعبر سبحانه وتعالى بقوله:{ وفيها نعيدكم} فعدّى ب"في"دون "إلى"للإشارة إلى أنه لم يخرج من محيط الأرض فمنها خلق وفيها يحيي فهو مستمر فيها حيا وميتا .
وإنه سيخرج بعد ذلك بتجميع أجزائه المتفرقة ، ولذا قال سبحانه:{ ومنها نخرجكم تارة أخرى} لكن هذا الإخراج ليس خلقا جديدا كما خلقناكم منها ، بل هو إعادة بجمع المتفرق من أجزائها ، كما قال تعالى:{ قال كونوا حجارة أو حديدا 50 أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة . . .51} ( الإسراء ) .