وبما أنّ هذه الآيات دلّلت على التوحيد بخلق الأرض ونعمها ،فقد بيّنت مسألة المعاد بالإشارة إلى الأرض في آخر آية من هذه الآيات أيضاً فقالت: ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أُخرى ) وإنّه لتعبير بليغ حقّاً ،ومختصر أيضاً ،عن ماضي البشر وحاضره ومستقبله ،فكلّنا قد جئنا من التراب ،وكلّنا نرجع إلى التراب ،ومنه نبعث مرّةً أُخرى !
إنّ رجوعنا إلى التراب ،أو بعثنا منه أمر واضح تماماً ،لكن في كيفيّة بدايتنا من التراب تفسيران: الأوّل: إنّنا جميعاً من آدم وآدم من تراب .والآخر: إنّنا أنفسنا قد خلقنا من التراب ،لأنّ كلّ المواد الغذائية التي كوّنت أجسام آبائنا واُمّهاتنا قد أخذت من هذا التراب .
ثمّ إنّ هذا التعبير ينبّه كلّ العتاة المتمردّين ،والمتّصفين بصفات فرعون ،كيلا ينسوا من أين أتوا ،وإلى أين يذهبون ؟فلماذا كلّ هذا الغرور والعصيان والطغيان من موجود كان بالأمس تراباً ،وسيكون غداً تراباً أيضاً ؟
ملاحظة:
3ورد عن النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حديث في اُصول الكافي في تفسير ( اُولو النهى ) ،جاء فيه: «إنّ خياركم اُولو النهى » قيل: يارسول الله ،ومن اُولو النهى ؟قال: «هم اُولو الأخلاق الحسنة ،والأحلام الرزينة ،وصلة الأرحام ،والبررة بالاُمّهات والآباء ،والمتعاهدين للفقراء والجيران واليتامى ،ويطعمون الطعام ،ويفشون السلام في العالم ،ويصلّون والناس نيام غافلون »{[2430]} .
وفي حديث آخر نقل عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،أنّ رجلا سأله: يا بن عمّ خير خلق الله ،ما معنى السجدة الأُولى ؟فقال: «تأويله: اللّهمّ إنّك منها خلقتنييعني من الأرضورفُع رأسك ومنها أخرجتنا ،والسجدة الثّانية وإليها تعيدنا ،ورفع رأسك من الثّانية ومنها تخرجنا تارةً أُخرى »{[2431]} .