إجابة حاسمة قاطعة تقطع أمله في رجوعهم ، والإيمان إذا دخل القلب وأشرب حبه كان أثبت من الرواسي ، وهو إيمان بحجة وبينة وبرهان{ لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا} ، أي لن نتركه لأجلك أيها الطاغي الباغي ، وهذا معنى مؤكد ، لأن "لن"تفيد النفي المؤكد ، حتى ادعى الزمخشري أنها تفيد تأبيد النفي ، فلا تطمع في رجوعنا عن الحق والإيثار والتفضيل ، أي لن نفضلك على البينات ، أي الدلالات الواضحات التي جاءتنا ، وفي هذا إشارة إلى أن ما عنده باطل وأوهام ، وكيف نفضل الأوهام على الدليل والبرهان ؟ ! وقوله تعالى:{ والذي فطرنا} عطف على{ ما جاءنا من البينات} ، والذي فطرنا هو الله ، يعني لن نؤثرك على الحق الواضح ، ولن نؤثرك على الله تعالى جل جلاله فهو القادر على كل شيء ، فلن نؤثر الضعيف الظاهر على الله القادر العادل القهار ، ويجوز أن يكون قوله:{ والذي فطرنا} ، أي أنشأنا ولم نكن شيئا ، الواو للقسم لا للعطف ، والمعنى لن يؤثرك على ما جاءنا من البينات والله الذي أنشأنا من عدم ، فمن تكون أنت أيها المخلوق الضعيف ، ولو كنت فرعون الطاغي المتجبر بصلفك وعتوك ؟ .
وقد رتبوا على عزيمتهم النابعة من قلوب مؤمنة تفويضهم الأمور إلى ربهم والاستهانة بفرعون وتهديده فقالوا{ فاقض ما أنت قاض} "ما"إن كانت موصولا حرفيا يكون المعنى فاقض قضاءك ، لأنه قضاء الحياة الدنيا وهي فانية ، والآخرة هي الباقية ، ويصح أن تكون موصولا اسميا بمعنى فاقض الذي أنت قاض ، ويكون الرابط في الصلة ضمير فاقض ما أنت قاضيه .
وقالوا ما يدل على الاستهانة بحكمه القاصر{ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} هذه الحياة الدنيا ظرف ، فتقدم في الكلام ، والمعنى:إن قضاءك هو في هذه الحياة الدنيا ، وما موصول حرفي ، وإذا قضاؤك هو في هذه الحياة ، فهو قضاء تنفيذه وقت قصير ومن بعده خير طويل ، فإنما الحياة الدنيا متاع قليل والآخرة خير وأبقى ، وإن هذا يدل على كمال الإيمان بالله ، والاستهانة بفرعون وعذابه .