أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه ،إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين ،وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرقت عليهم أنوار الرسالة فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته .ولنا في عمر بن الخطّاب ونحوه ممن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم مَثَلُ صدق .
والإيثار: التفضيل .وتقدّم في قوله تعالى:{ لقد آثرك الله علينا} في سورة يوسف ( 91 ) .والتفضيل بين فرعون وما جاءهم من البيّنات مقتض حذف مضاف يناسب المقابلة بالبيّنات ،أي لن نؤثر طاعتك أو دينك على ما جاءنا من البيّنات الدالة على وجوب طاعة الله تعالى ،وبذلك يلتئم عطف{ والذي فَطَرنا} ،أي لا نؤثرك في الربوبية على الذي فطرنا .
وجيء بالموصول للإيماء إلى التّعليل ،لأنّ الفاطر هو المستحق بالإيثار .
وأخر{ الذي فطرنا} عن{ ما جَاءَنَا مِنَ البينات} لأنّ البيّنات دليل على أنّ الذي خلقهم أراد منهم الإيمان بموسى ونبذ عبادة غير الله ،ولأنّ فيه تعريضاً بدعوة فرعون للإيمان بالله .
وصيغة الأمر في قوله{ فَاقْضِ مَا أنتَ قَاضٍ} مستعملة في التسوية ،لأن{ ما أنت قاض} مَا صْدَقُه ما توعدهم به من تقطيع الأيدي والأرجل والصّلببِ ،أي سواء علينا ذلك بعضه أو كلّه أو عدم وقوعه ،فلا نطلب منك خلاصاً منه جزاء طاعتك فافعل ما أنت فاعل ( والقضاء هنا التنفيذ والإنجاز ) فإنّ عذابك لا يتجاوز هذه الحياة ونحن نرجو من ربنا الجزاء الخالد .
وانتصب{ هذه الحياة} على النيابة عن المفعول فيه ،لأنّ المراد بالحياة مُدّتُها .
والقصر المستفاد من ( إنما ) قصر موصوف على صفة ،أي إنك مقصور على القضاء في هذه الحياة الدنيا لا يتجاوزه إلى القضاء في الآخرة ،فهو قصر حقيقيّ .