أول أمارات الإيمان الراسخ الإحساس بالتقصير والإذعان لله تعالى ، وهذا أمر أولئك المؤمنين الذين كانوا من قبل ساحرين ، قالوا مؤكدين إيمانهم ومؤنبين فرعون وشيعته:{ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى 73} .
قالوا مؤكدين إيمانهم ب "إن"أولا ، وبالجملة الاسمية ثانيا ، وبقولهم{ بربنا} ، أي الذي خلقنا وأنشأنا إنشاء ، فكأنهم يوثقون إيمانهم بأنه إيمان بمن خلق وصور لا بمن يظهر قدرته في العذاب والإيذاء لا في الخلق والإنشاء .
وذكروا ما يرجون من وراء إيمانهم فقالوا:{ ليغفر لنا خطايانا} و"اللام"هنا لام العاقبة ، أي لتكون عاقبة إيماننا بربنا أن يغفر لنا خطايانا ، والخطايا جمع خطيئة ، والخطيئة هي الذنب الذي يحيط بالنفس ويستولي عليه ، حتى يصير كأنه صفة من صفات النفس يصدر عنه من غير تدبر ولا تفكر ، ولذا قال تعالى:{ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار فيها خالدون 81}( البقرة ) ، وذلك أن الإنسان إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا تكررت َتكررت هذه النكت حتى يربادّ فيمتلئ بالخطايا وتصدر عنه بأفعالها كأنه غير قاصد لها ، وهي للضال تشبه الخطأ من الصالح في ذات نفسه ومن تقع منه يسمى خاطئا أي آثما .
وقد ذكر رجاء الغفران من خطاياهم ، أي آثامهم ، التي كانت منهم ، وهم في ديانة القدماء من المصريين ، وقد اعترفوا أنهم كانوا يفعلون هذه الخطايا مختارين ، والأمر الثاني الذي اعترفوا به هو السحر ، وهو إثم ، ولكنهم ذكروا في هذا أن فرعون كان يكرههم ، ولذا قالوا{ وما أكرهتنا عليه من السحر} .
وإذا كنت يذهب غرورك بأن تقول:{. . .ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى 71} فنحن نقول الحق:{ والله خير وأبقى} ، فالله هو الدائم ، وهو الخير كله ، فلا يكون عنه إلا خير ولا يرضى لنا إلا كل خير .