هذا رزق الله تعالى لبني إسرائيل في هذه الصحراء الجرداء ، وقد نهاهم الله عن الطغيان في الرزق ، فقال عز من قائل:
{ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى 81} ذكر الله تعالى رزق بني إسرائيل بالمن والسلوى في سيناء فناسب أن يبين – سبحانه - شكر الرزق ، وفساد النعمة بالطغيان ، فقال:{ كلوا من طيبات ما رزقناكم} وهذا الأمر لبيان إباحة الطيبات ، وهو في معناه يتضمن الطلب ، لأن الأكل مباح ومطلوب ، أما إباحته فلتخير ألوانه الطيبة ، وأما طلبه فلمنع الإنسان نفسه من الأكل فيهلك ، والطيبات لا بد لها من أمرين:أن تكون كسبا حلالا طيبا لا خبث من طريق الحصول عليه ، وأن يكون غير مستقذر كالميتة ولحم الخنزير ، والدم المسفوح ، وغير ذلك من المحرمات التي حرمت لأنها رجس مستقذر ، ونهى سبحانه عن الطغيان في الرزق ، فقال سبحانه:{ ولا تطغوا} ، أي لا تتجاوزوا الحدود فيه ، وتجاوز الحدود فيه يكون بضروب شتى ، منها:أن يطلبه من غير حلّه ، ومنها:أن يأكل السحت والربا ، ومنها:أن يمنع الفقير من حقه ، ومنها:أن يسرف فيه إسرافا ، وأن ينفقه في غير موضعه ، ومنها الشح والبخل بأن يكون عبد الدينار والدرهم ، فكل هذه مجاوزة للحد ، وطغيان ، وإن الذي يترتب على الطغيان في الرزق وعدم شكره غضب الله تعالى فقال:{ فيحل عليكم غضبي} "الفاء"فاء السببية ، أي بسبب الطغيان ينزل بكم غضبى ، وهو أعظم ما يفقد الإنسان معاني العلو ، فغضب الله يبعد الشخص من سماء الرفعة ، ويهوي في مكان سحيق من المقت ، والبعد عن الله تعالى ، ولذا قال تعالى:{ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} أي فقد نزل إلى الهاوية السحيقة البعيدة الغور ، ومن سقط في الهاوية فإنه يهلك لا محالة ، ولذا قالوا:{ هوى} معناها "هلك"، ولذلك فسر الزّجاج{ فقد هوى} بمعنى:فقد هلك .