الإشارة في{ تلك دعواهم} إلى{ يا ويلنا} ، وسميت تلك دعوى يدعونها ، لأنها بصيغتها تفيد نداء ويلهم كأنهم يقولون يا ويلنا ندعوك ، الإشارة كما ذكرنا إلى قولهم يا ويلنا ، وهي دعوى لأنها طلب لهم ، والدعوى تطلب على طلب أمر من الأمور ، وأكثر ما تكون أمام القضاء ، فهي المطلب الحق تزعمه صاحبه ، ويعتقد أنه حق ، وسمي طلبهم دعوى مع أنه أقرب إلى الدعاء غير أنهم لا يطلبونه ضارعين مبتهلين حتى يسمى دعاء ، لأنهم مشركون ، إنما يطلبونه لأنه استحقاق لهم بحكم من ارتكبوه من ظلم ، وقوله تعالى:{ فما زالت تلك دعواهم} 'الفاء"فاء الإفصاح ، و{ ما زالت} تدل على استمرار هذه الدعوى وبقائها ، واستمرارها يدل على استمرار التحسر والتوجع والشعور بالهلاك ، أي أنهم استمروا على الشعور بالتحسر والبكاء على ما كان ، وأشد ما يؤلم العاتي الظالم شعوره بعتوه ولقاء معتبه ، وقد صرح الله تعالى في قرآنه العظيم بالنهاية لذلك البكاء المرير بقوله تعالت كلماته:{ حتى جعلناهم حصيدا خامدين} والحصيد فعيل بمعنى مفعول به وهو الزرع المحصود المقطوع
الذي جف عوده شيئا فشيئا حتى يصير حطاما لانقطاع سبب الحياة عنه ، وهذا فيه تشبيه لحالهم بحال الزرع المحصود الملقى المقطوع عن أسباب الحياة ، كما انقطعت أسباب الحياة عنهم ، وهذا تصوير لحلال هلاكهم ونزول الويل الشديد بهم ، وأكد حالهم بقوله تعالى:{ خامدين} ، والوصفان كناية عن موتهم وهمودهم ، وأصل الخمود من قولهم خمدت النار خمودا طفئ لهيبها ، ومنه استعير خمدت الحمى ، وكأن هناك تشبيها آخر بعد تشبيههم بالزرع المحصود ، شبههم أيضا بالنار الذي أطفئ لهيبها ، وفي ذلك إشارة إلى ما كانوا يشعلونه من إيذاء ، وما يوقدون من حروب مفرقة تجمح فيها النفوس عن مواطن الاطمئنان ، وليس هنا ثلاثة مفعولات ل ( جعلنا ) ، إنما هنا مفعولان ، فقط ، و{ خامدين} حال ، وليست مفعولا ثالثا ، وأضاف سبحانه وتعالى الفعل إليه الصيغة التي تليق بعظمته{ جعلناهم} إرهابا وإفزاعا ، والإشارة بأن الذي يتولى هلاكهم هو الله جل جلاله ، وتقدست ذاته وأفعاله .