وقد أشار سبحانه إلى ما وصفوا الله – سبحانه- به من أن له شركاء ، فقال عز من قائل:
{ أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} .
"أم"هي المنقطعة وهي تتضمن الإضراب الانتقالي ، فانتقل النص القرآني بهم من إنكارهم الرسل وإنكارهم الآيات ، وكل هذه أمور باطلة ولكنها سلبية في ذاتها تعدت إلى أمر إيجابي منهم ، وهو باطل كالأمور السلبية على سواء ، بل أشد وأعنف ، وهو الباعث على إنكار ما أنكروا معه الرسل والآيات ، والمعنى اللفظي للنص السامي ، بل اتخذوا آلهة من الأرض ، وكان الله يواجههم بإفكهم وافترائهم في عبادتهم ، والاستفهام إنكاري منصب على ثلاثة أمور:
أولها – اتخاذ آلهة غير الله تعالى ، فهو في ذاته ظلم مستنكر وبهتان عظيم .
والثاني- أنها آلهة من الأرض ، وفي ذكر الأرض مقابلة بين هذه الآلهة المزعومة والعباد عند الله الذين لا يستكبرون عن عبادته ، ويسبحون ليلا ونهارا لا يفترون ، والأرض التي اتخذت منها آلهتهم دون من عند الله فكيف يعبدونها ، وفي ذكر الأرض استنكار آخر ، وهو أن هذه الآلهة المزعومة من حجر من الأرض أو من جماد منها ، لا يعقلون ولا يفكرون فكيف تكون آلهة ، ومهما يكن فإن ما يكون متخذا من الأرض دون ما عند الله ، من عند الله يعبدونه .
والأمر الثالث – أنكر عليهم أيضا بالاستفهام ، وهو استفهام جديد وأحسب أنه لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع ، فهم لم يقولوه ، وهو في قوله تعالى:{ هم ينشرون} أن يحيون الموتى ، وأصل نشر من نشر الثوب ، ونشر الله تعالى الموتى فيه كشف لهم ، وإخراج لهم من قبورهم أحياء ، ولا شك أنهم لا يقولون بالنشر والبعث لهم ، فهم يحسبون أنه لا يكون قط ، ولكن النص أثبت عجز من زعموهم آلهة عنه ، والله تعالى الذي يشركون به هذه الأحجار قادر على ذلك وعلى كل شيء ، كما قال تعالى:{. . . كما بدأكم تعودون 29} ( الأعراف ) وفي هذا توبيخ على عدم إيمانهم بالبعث مع ادعاء الألوهية لمن يصلح أن يكون إلها لأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا يجلب نفعا أو يرفع ضررا .
وقد بين سبحانه بعد ذلك استحالة الشرك بالدليل الفعلي الذي لا يزال حجية التوحيد فقال عز من قائل:
{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} .