{ لو} كما قلنا حرف امتناع لامتناع ، أي امتنع الفساد في الكون لامتناع أن يكون فيهما غير الله ، فهو يسير في نظام لا يتخلف ، فالنجوم في مساراتها ، والشمس والقمر يجريان بحسبان ، والليل والنهار يتعاقبان من غير تخلف .
و{ إلا} هنا للوصف بمعنى "غير"، لأن الاستثناء في المستغرق يجب أن يكون المستثنى مستغرقا في المستثنى منه ، ولا يمكن ذلك للغيرية المطلقة بين الاثنين ، فلا ارتباط حتى يجعل أحدهما مستثنى من الآخر ، فما قبلها لا يشمل ما بعدها بأي نوع من الشمول ، والاستثناء المنقطع فيه نوع قرب وشمول بين المستثنى والمستثنى منه من وجه ، والدليل مع أنه استثناء رفع لفظ الجلالة ، إذ لو كان منقطعا لكان منصوبا ، فدل على أنه لا استثناء قط ، وعلى ذلك تكون "لا"وصفا بمعنى "غير".
والمعنى أنه امتنع التالي في هذه الشرطية ، وهو الفساد ، وإذا بطل التالي لأنه يخالف الحس ، والوجود كله قائم شاهد بالصلاح ، فالسماء والأرض كل قائم به الصلاح بدل الفساد ، فالسماء بأبراجها وكواكبها ونجومها ، والشمس سائرة في أبراجها ومساراتها بانتظام ، والشمس والقمر كل في فلك يسبحون مما يدل على أن مدبرا للكون يدبره وينظمه ، والشمس والقمر كل في فلك يسبحون مما يدل على أن مدبرا للكون يدبره وينظمه ، ولا يمكن أن يكون كل ذلك بالمصادفة ، والمصادفة لا يفرضها إلا إذا ثبت أنه ليس ثمة موجد منشئ ، وذلك باطل ، وإن إثبات الوحدانية بهذا الدليل العقلي الذي جاء به القرآن هو أقوى دليل جاء به المتكلمون لإثبات الوحدانية ، وهو الذي يسمى عندنا بدليل التمانع ، وقبل أن نقرره كما جاء في القرآن نقول:إن ذكر الآلهة لذكرها من قبل في قوله تعالى:{ أم اتخذوا آلهة} في الآية السابقة ، فليس الدليل لمنع آلهة مع الله ، بل هو لمنع أي إله مع الله تعالى العلي القدير .
وما يقرره علماء الكلام مقتبسين من استدلال القرآن أنهم يقولون:لو كان فيهما إلهان لتعارضت إرادتهما ، فإن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر ، وتوالي ذلك فهو الإله دون الثاني ، وإن توافقت إرادتهما على الدوام فهو إله واحد ، والاتفاق على الدوام غير ممكن لأن كل واحد منهما له إرادة مستقلة عن إرادة الآخر ، فإن لم تخالف في كل أمر بالتخالف لا محالة ثابت في بعض الأمور ، وفوق ذلك عند التوافق ، فهو يؤدي إلى أن يكون العقل الواحد يتوارد عليه فاعلان ، وذلك مستحيل ، إذن فلا بد من فرض التخالف ، والتخالف يؤدي إلى تحقق أمرين متضادين ، وذلك محال فما أدى إليه محال أيضا ، وإن نفذت الإرادتان بعد التسليم بذلك المحال ، فسد الوجود ، وهو الصلاح كله ، وإذا بطل الفساد بطل ما أدى إليه ، فكان الله واحدا أحدا فردا صمدا ، وقد قال تعال:{ فسبحان الله رب العرش عما يصفون} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي يترتب على بطلان التعدد أن يكون الله تعالى هو وحده الواحد ، فتنزيها له وتقديسا عما يصفون من الإشراك به ، وقد وصف الله تعالى ذاته بقوله:{ رب العرش} أي أن العرش له وحده لا شريك له .
وقد بين سبحانه وتعالى سلطانه الكامل فقال:
{ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} .