{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إن الكون يتحرك بطريقة متوازنة دقيقة في كل مجالاته وظواهره ،الثابتة والمتحركة ،حتى في الأمور التي يعتبرها الناس مظهر خللٍ في حركة الواقع ،أو حالة تمرّدٍ في الطبيعة ،فإنها تخضع لضوابط وقواعد ،تمنعها من الذهاب بعيداً في نتائجها السلبيّة ،وتقرِّبها من الاتصال بالنتائج الإيجابية في حركة الوجود الكوني من جهة أخرى ؛وذلك في مثل الفيضانات والبراكين والزلازل والعواصف ونحوها .
وهكذا نجد ذلك متمثلاً في حركة المجتمعات البشرية والحيوانية في جميع الأسس التي ترتكز عليها في ولادتها وفنائها ،وفي ارتفاعها وسقوطها ،فلا مجال للفساد في ما يحيط بها من ظروف وقواعد وأحكام .
إنه الدليل على القوة الواحدة الحكيمة القاهرة التي تخلق الشيء بحساب ،وتحركه بنظام ،وتفنيه بقاعدة ،في إدارة حكيمة تشمل الكون كله ،وهو الدليل على وحدانية الله .ولو كان الأمر كما يقول المشركون الذين يقولون بالتعدُّد في خلق الكون ،أو في تدبيره ،لما كان هذا الأمر ممكناً ،لأن طبيعة التعدُّد في الذات الإلهية الخالقة المدبّرة تفرض اختلافاً في الإدارة وتنوّعاً في التدبير ،ما يؤدّي إلى التجاذب والتنازع والاختلال عندما يريد أحدهما شيئاً لا يريده الآخر ،أو يريد خلافه ،فإن ذلك يبطل الوجود إذا كان ذلك متعلقاً بالخلق ،أو يعطل حركته إذا كان مرتبطاً بالتفاصيل ،لأنَّ التعدد في الألوهية يفرض التوازن في القدرة ،في ما يقتضيه من القدرة المطلقة للإله المطلق .
وقد يفرض البعض إمكانية التكامل في التخطيط والتدبير ،كما قد يحدث عند بعض المخلوقين الذين يتكاملون في الإشراف على بعض الأعمال أو الأوضاع ،من دون أن يؤدي التعدد إلى الاختلال ،بل ربما قد يؤدّي إلى التوازن في إغناء التجربة بالقدرة المتنوعة .
ولكن ذلك قد يتمّ في بعض الأمور ،ولا يتم في جميعها ،وقد يحصل في داخل النظام الذي يخضع له هذا الشخص أو ذاك ،في ما يمكن أن يؤثر في نموّ العقل هنا أو هناك ،ولكن ذلك لا يتم في مستوى الآلهة التي لا تتأثر بالنظام الذي يحكمها من الخارج ليمكن فيه التكامل في التفكير ،بل هي التي تخلق النظام وتصنعه ،فكيف يمكن أن يتوحّد تدبير الآلهة من خلاله ،وبذلك يكون التعدد في الذات أساساً للتعدد في خصوصيات الخلق وبالتالي في حركة الإيجاد .وإلاّ لم يكن للتعدد معنىً أو ضرورة ما دامت المسألة لا تخضع لما هو خارج عن الذات ،بل لما هو داخل في عمق طبيعتها ،وفي ذات التعدُّد .
وعلى ضوء ذلك ،فإن الدليل لا يتحرك من منطق جدليٍّ فلسفيٍّ ،بل ينطلق من عمق الحقيقة الواقعية للكون وللتعدُّد وللفساد .
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ} الذي يملك الكون كله في أعلى مواقعه ومظاهره ،من خلال ما يمثله العرش من السلطة المطلقة المهيمنة على الوجود بجميع مجالاته ،فكيف ينسب إليه المخلوقون شريكاً له في الخلق والقدرة والتدبير ،فيبتعدون بذلك عن موقع جلاله ومجالات عظمته ،فتعالى الله{عَمَّا يَصِفُونَ} مما يتصل بصفات المخلوقين التي ينسبونها إلى الخالق القادر القاهر الجبّار