اللام الموطئة للقسم ، والنفحة الريح الطيبة ، وتستعمل للخير ، وقد تستعمل للشر كما هنا بدليل قوله تعالى:{ نفحة من عذاب ربك} ، والمعنى أنهم صم عند النذر ، ما دامت قولا منذرا ، ولو كان وحيا من الله تعالى ، فإذا رأوا الفعل ، ولو كان نفحة من ريح فيها عذاب اضطربوا وهلعوا وفزعوا ، فلا يؤمنون بالنذر حتى يروا العذاب الأليم ، و{ مستهم} معناها أصابتهم إصابة حقيقية{ من عذاب ربك} أدركوا هول العذاب ، وكان إدراك معنى الإنذار ، وأجابوا كما قال الله تعالى:
{ يا ويلنا إنا كنا ظالمين} أي أنهم إذا أصابتهم نفحة قليلة من العذاب يفزعون ، وينادون الويل والعذاب والهلاك يقولون يا ويلنا أقبل فهذا وقتك ، ويدركون ظلمهم ، ويؤكدونه فيقولون:{ إنا كنا ظالمين} ، فقد أكدوا ظلمهم بثلاثة مؤكدات:بوصفهم بالظلم أولا ، وب "إن"المؤكدة ثانيا ، وب "كان"الدالة على ظلمهم المستمر ثالثا ، ولقد قال الزمخشري في معنى هذه الآية:"ولئن مستهم في هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لأذعنوا وذلوا وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصامّوا وأعرضوا ، وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات ، لأن النفحة في معنى القلة والنزارة ، يقال نفحته الدابة وهو رمح يسير ، ونفحه بعطية ، رضخه ، ولبناء المرة"{[1508]} .
ونقول إن المس إصابة غير غامرة ، بل هو لمسة .
وظلمهم هو ظلم لأنفسهم ، وبشركهم ، وبفسادهم ، وبإعناتهم للرسل وصدهم عن سبيل الله تعالى ، وإن ذكر هذه النفحة من العذاب تمهيد لذكر القيامة ، وما يكون فيه من عذاب الجحيم ، ولذا قال تعالى:
{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} .