هذا بيان لحساب يوم القيامة ، وأنه لا يذهب منه صغيرة ولا كبيرة إلا كانت موضع حساب ، وستجزي كل نفس ما كسبت إن صغيرا وإن كبيرا ، وإن خيرا ، وإن شرا .
وقوله تعالى:{ ليوم القيامة} "للام"هنا بمعنى "في"، كقول القائل فعلته لخمس خلون من ذي الحجة ، أو جاهدت لعشر خلون من رمضان وبعضهم قدر مضافا محذوفا ، أي لأهل يوم القيامة ، والأول أوضح وأبين ، ووضع الميزان في قوله تعالى:{ الموازين القسط} هو وضع معنوي ، أي رصدنا الأعمال رصدا وحسبناها حسابا بخيرها وشرها ، للإنسان أو عليه ، ويصح أن يكون هناك محسوس يوم القيامة توزن به الأعمال ، ولكنا نميل إلى التفسير الأول ، ولقد ذكر ابن عباس أن كل ما يكون يوم القيامة هو من جنس مثله في الدنيا ، ولكنه غيره ، وذكره تقريب للعقول ، ولا مانع أن يكون محسوسا ، ولكنه غير الموازين التي نراها في الدنيا ، وذكرها تقريب لما عندنا ، والله اعلم .
ووزن الأعمال يكون بما هو مذكور في كل كتاب للمكلف ، فتوزن صحائفه في خيره وفي شره ، أو تكون الأعمال في علم الله في كتاب ، لا يضل ربي ولا ينسى سبحانه وتعالى .
وقوله تعالى:{ الموازين القسط} أي الموازين التي هي القسط ، وهو العدل ، وفي هذا مبالغة في وصف الموازين بالعدالة ، كأنها العدالة ذاتها ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
ولقد قال تعالى:{ وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها} إن كان العمل صغيرا يساوي وزنه وزن مثقال حبة من خردل ، أي كان الوزن في ذاته قليلا ، وكان الموزون في ذاته ليس ذا خطر وشأن فإنه يؤتى به ويحاسب عليه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرا ، ولا يغيب عن علم الله تعالى شيء ، ولا عن الحساب شيء من غير جزاء ، ولقد حكى سبحانه في وصية لقمان لابنه:{ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير 16} ( لقمان ) .
وإن المحاسب هو الله الذي يعلم كل شيء ، ولذا قال تعالى:{ وكفى بنا حاسبين} أي وكنا حاسبين فلا حساب بعد حساب الله ولا أدق منه ولا أعدل .