{ قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} .
إن إبراهيم هو الذي حطم الأصنام ، وجعلها فتاتا متكسرا ، ووضع آلة الحطم والكسر في رأس الكبير منها ، فكيف يقول:{ بل فعله كبيرهم هذا} ، و{ بل} للإضراب عن قولهم الذي يومئ إلى أنه الفاعل ، وإن لم يكن صريحا ، قال بعض المؤولين من علماء الكلام:إن الضمير في{ فعله} يعود إلى إبراهيم ، وإن كان هو المتكلم ، كأنه بإيماء القول جرد من نفسه شخصا آخر يخبر عنه ، والمعنى أنه فعل ، استؤنف كلام بعد ذلك هو هذا كبيرهم ، ولقد دفع بعض المتكلمين إلى هذا التكلف الذي ينافي السياق أنهم لا يريدون أن ينسبوا كذبة إلى أبى الأنبياء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم عن الكذب والخيانة والظلم ، قبل النبوة وبعدها ، ولكن في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلمنسب إلى إبراهيم ثلاث كذبات أولاها هذه ، والثانية أنه قال:إني سقيم ، والثالثة أنه قال عن زوجه سارة:إنها أخته{[1510]} .
ونحن نرى أن قوله:{ بل فعله كبيرهم هذا} ليس فيه كذب ، بل فيها تهكم عليهم وسخرية بآلهتهم ولولا الأثر لقطعنا بهذا ، ولكنه احتمال نذكره ، ولعل الأثر عده كذبة على أساس مظهر القول لا على أساس المقصد لإبراهيم ، لأن ظاهر القول أنه كذب والدليل على أنه سيق للتهكم والسخرية بهم وبآلهتهم قوله بعد ذلك{ فاسألوهم إن كانوا ينطقون} "الفاء"عاطفة على إخبارهم بأن رئيسهم الذي فعل ، أو "الفاء"للإفصاح ، أي إذا كان الفاعل هو أو غيرهم فاسألوهم ، وذلك فيه تهكم واضح عليهم ، لأنهم لا ينطقون فكيف يعبدون ، وفي التهكم أخذ اعتراف منهم بأنهم لا ينطقون ، وأنها أحجار لا تضر ولا تنفع ، وهذا برهان قاطع على ضلالهم وبطلان ما يعبدون .