الرسل من البشر
{ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون 7 وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين 8 ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين 9 لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون 10 وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين 11 فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون 12 لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون 13 قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين 14 فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين 15} .
قال المشركون منكري رسالة النبي صلى الله عليه وسلم:{ هل هذا إلا بشر مثلكم 3} ( الأنبياء ) ، أي ليس هذا إلا بشرا مثلكم فكيف نؤمن بأنه رسول يوحى إليه ؟ فرد الله تعالى قولهم بقوله تعالى:
{ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .
فما اعتمدوا عليه في تغرير الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم بين الله تعالى بطلانه ، فهو حجة داحضة ، لأن الرسل جميعا ليسوا إلا رجالا ، كما قال الله تعالى في آية أخرى:{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى . . . 109} ( يوسف ) وقال تعالى:{ قل ما كنت بدعا من الرسل . . . 9} ( الأحقاف ) .
فسنة الله تعالى أن يرسل رسله من البشر ، ليأنس بهم المدعون ، وليأتلفوا معهم ، ولأن الملك لا يمكن أن يخاطب البشر إلا إذا صار كالرجل كما قال تعالى:{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون 9} ( الأنعام ) . وقد نبههم سبحانه إلى أن تلك سنة الله تعالى فيمن يبعثهم ، وبين أيديهم ما يعلمون فيه سنة الله في رسله ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام وإسماعيل ابنه كانا من الأنبياء ، وإبراهيم عزهم ومناط فخرهم حيث كان رسولا من أولي العزم من الرسل- كان من الرجال ولم يكن من الملائكة ، وبني البيت الحرام الذي كان حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ، بناه بقوته البشرية لا بالروح الملكية .
ومع ذلك طلب الله تعالى أن يسألوا من يشايعونهم من اليهود الذين كانوا يناوئون الإسلام كما يناوئونه هم ، ويؤذون النبي صلى الله عليه وسلم كما يؤذيه المشركون على سواء ولقد قال تعالى:{. . .ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا . . . 186} ( آل عمران ) فقال سبحانه:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} "الفاء"واقعة في جواب شرط محذوف دل عليه ما بعده ، وأهل الذكر هم أهل العلم بالرسالات ، وأهل العلم هم كل من عنده علم بالرسالات الإلهية والرسل المهديين . وفي هذا النص رمى لهم بالجهل ، وأن الذين يدّعون العلم بأنه لا رسول إلا من الملائكة غير عالمين ، ومفسدون ، وفي هذا إذلال لهم ، ورمى لهم بالجهل المطبق ، مع الإرشاد إلى الحق والاحتجاج بعلم أهل الكتاب الذين يناوئون النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم .