ثم قال تعالى مؤكدا معنى الآية السابقة:
{ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} .
الضمير يعود إلى الرسل ، لأنهم مذكورون في الآية السابقة بعبارة تفيد العموم بذكر الرجال{ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا} والنفي داخل على الجسد الذي لا يأكل الطعام فمن طبيعة الجسد أن يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق ، وهذا رد على من زعم أن الرسل ليسوا من البشر ، وتجاهلوا ذلك أو جهلوه ، ورد على الذين قالوا من المشركين:ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .{ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا} ، وقد رد الله تعالى:{ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا 20} ( الفرقان ) .
نفى الله تعالى بهذه الآيات أن يكونوا جسدا لا يأكلون بل هم أجساد حية تحتاج إلى الغذاء كما يحتاج الجسد في قوله تعالى:{ وما جعلناهم جسدا} لأن الجسد يدل على الجنس ، والجنس يفيد العموم ، ولأن الإفراد ملاحظ أيضا ، فالمعنى:{ وما جعلنا أي رسول جسدا لا يأكل الطعام} وإن الطعام يعوض الجسم البشري ما يفقد منه يوميا حتى إذا ضعف الجسم عن الغذاء كان الموت ، ولذا قال تعالى بعد ذلك:{ وما كانوا خالدين} لأنه إذا كان الرسول جسدا فإنه تعروه عوامل الفناء الجسدي ، حتى يكون البعث يوم القيام ، كما قال تعالى:{ كما بدأكم تعودون 29} ( الأعراف ) فقوله تعالى:{ وما كانوا خالدين} تأكيد لمعنى الجسدية التي تأكل الطعام ، وقد توهموا من معنى الملائكة أنهم لا يموتون فأكد الله سبحانه وتعالى نفي الملكية عنهم بذكر أنهم ليسوا خالدين كما تزعمون في أن الرسل من الملائكة لا يفنون ، وهكذا أبطل الله تعالى دعواهم أن الرسل لا يكونون من البشر ، وأثبت سبحانه بالاستقراء والتتبع أن الرسل لا يمكن أن يكونوا إلا من البشر الذين يوحى إليهم .