ثم بين تعالى كون الرسل كسائر الناس ،في أحكام الطبيعة البشرية ،بقوله سبحانه:
{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} .
{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} أي جسدا مستغنيا عن الطعام ،بل محتاجا إلى ذلك لجبر ما فات بالتحليل كما قال تعالى:{ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} وفي هذا التعريف الرباني عن حال المرسل ،أكبر رادع لأولئك المنزوين عن الناس المتصيدين به قلوب الرعاع والعامة والحمقى ومن لا يزن عند ربه جناح بعوضة .إذ يرون تناول الطعام في المحافل وتكثير سواد الناس في المجامع والخروج للأسواق لقضاء الحاجات ،من أعظم الهوادم لصروح الاعتقاد فيهم .فتراهم يأنفون من شراء حوائجهم بأيديهم ،وهو السنة .ومن المشي بالأسواق .وهو المأذون فيه .ومن إجابة الدعوة ،وهي واجبة ،لأوهام في أنفسهم شيدوها .ومحافظة على السمعة حموا جانبها .فتبا لهم من قوم مبتدعين ،يعبدون قلوب الخلق ولا يعبدون الله .ويريدون حالة فوق ما عليه رسل الله .وما ذلك إلا لله .فما أجرأهم على منازعة الجبار ! وما أصبرهم على النار ! وقوله تعالى:
{ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} أي في الدنيا ،بل كانوا يعيشون ثم يموتون كما قال تعالى:{ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل .تنزل عليهم الملائكة بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه .وكونهم بشرات من تمام النعمة الإلهية .وذلك ليتمكن المرسل إليهم من الأخذ عنهم والانتفاع بهم .إذ الجنس أميل إلى الجنس .