{ وتقطعوا} أي تفرقوا مزائق ، وفرقا متباينة:هذا مهتد ، وهذا ضال ، وقد نتج هذا من الوحدة في الطبائع والغرائز ، ففي الغرائز حب الغلب ، وفي الغرائز حب السيطرة ، وفي الغرائز الشهوات ، وإنها إن اختلفت في أصلها ومنبعها تفترق في نزوعها واتجاهاتها ، فمن وحدتها يكون اختلافها وهذا كقوله تعالى:{ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 213} ( البقرة ) فقد قدر في القول كما أسلفنا بعد قوله تعال:{ كان الناس أمة واحدة} فكان الاختلاف المقدر الذي تقرر بقوله:{ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} مترتبا على الوحدة في أصل الغرائز التي تتضارب ، والجبلات التي تتناحر .
كذلك هنا كانت وحدة الأمة الإنسانية في أصول الغرائز وينابيع النفس سببا في الاختلاف وتقطع الأمر وتفرقه ، وعبر سبحانه عن تفرق الإنسانية ب "تقطع"للإشارة إلى أن الجسم الإنساني واحد وقد تقطع أجزاء ، فهو تأكيد لأصل الوحدة ، وقوله تعالى:{ أمرهم} أي الأمر الجامع بينهم ، وهو أصل الوحدة ووحدة الغرائز وجماعتهم الجامعة ، قطعوها بين غالب ومغلوب ومسيطر ومسيطر عليه ، ومهتد وضال .
ثم بين سبحانه وتعالى أنه كما ابتدأوا وحدة يعودون إلى الله تعالى مجتمعين في المحشر ، ولذا قال تعالى:{ كل إلينا راجعون} فتقديم الجار والمجرور للدلالة على الاختصاص ، أي راجعون إلينا وحدنا لا إلى غيرنا .
ثم ذكر سبحانه جزاء الأبرار ، ثم جزاء الفجار ، فقال عز من قائل:
{ فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} .