"الفاء"فاء الإفصاح ، لأنها تفصح عن شرط مقدر ، أي إذا كانوا جميعا إلينا راجعون ، فإنا نجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وقوله تعالى:{ من الصالحات وهو مؤمن} "من"هنا إما للتبعيض ، أو للاستغراق ، ويكون المعنى من يعمل بعض الصالحات وهو مؤمن بالله حق إيمانه متقربا بها إلى الله تعالى ، فإن الله يقبل عمله ويثيبه عليه ، لأنه لا سلامة للأعمال إلا بأن تكون لله وحده ، ولا تكون لله وحده إلا إذا كان مؤمنا به وبرسله والكتاب والملائكة والغيب الذي أخبر الله تعالى .
وإنما ذكر بعض الصالحات ، لأنه ليس في الطاقة الإنسانية القيام بكل الصالحات ، وكل ميسر لما يستطيعه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
ويصح أن تكون{ من} بيانية ، أي ومن يعمل الصالحات بما في طاقته{ فلا كفران لسعيه} "الفاء"واقعة في جواب الشرط ، والكفران الستر ، وكفران النعمة سترها ، وكفران السعي عدم الجزاء عليه ، والسعي هو العمل النافع الذي يكون فيه القرب إلى الله تعالى .
وعبر سبحانه عن عدم الجزاء بالكفران ، إكراما للساعي وتأكيدا بأنه لن يهمل جزاءه ، ومعاذ الله تعالى أن يفعل ، كما قال تعالى{. . . .أني لا أضيع عمل عامل منكم . . . 195} ( آل عمران ) وقوله تعالى:{. . .إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا 30} ( الكهف ) .
وبين سبحانه ، أن هذا السعي مكتوب قد أحصاه الله تعالى فقال:{ وإنا له كاتبون} أي قد أحصيناه إحصاء ، وذكر الكتابة للدلالة على أنه غير ضائع أبدا ، والله بكل شيء عليم ، وقدم الجار والمجرور لكمال العناية بمن يعمل عملا صالحا ، أي كل عامل يقيد له عمله بخاصة ، ويحصي لك ما يخصه .
هذا جزاء الأبرار ، أما غيرهم فقد قال سبحانه في جزائهم:
{ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} .