الناس جميعا يوم القيامة تميزهم أعمالهم ، وهي التي ينالون بها الجزاء عقابا أو ثوابا ، والفاصل بينهم هو أحكم الحاكمين رب العالمين وأعمالهم هي التي تقدمهم .
وقد ذكر سبحانه أصنافا ستة ، وهم:المؤمنون ، واليهود ، والصابئون ( وهم عبدة الكواكب الذين ادعوا دخولهم في النصرانية عندما أرادهم المأمون الخليفة العباسي على أن يدخلوا في دين كتابي ، وهم أخفى الناس لاعتقاد ) ،{ والنصارى} على اختلاف طوائفهم ما بين كاثوليك وأرثوذكس ، وإنجيليين ،{ والمجوس} ، وهم عبدة النار ،{ والذين أشركوا} ، أي الذين أشركوا مع الله تعالى غيره في العبادة ، وبهذا يدخل فيهم الذين قالوا:إن الملائكة بنات الله ، ويدخل البراهمة ، لأنهم قالوا:إن كرشنة ابن الله ، وهم يصورون آلهتهم بتماثيل ، كما يدخل البوذية ، لأنهم قالوا إن بوذا ابن الله ، ويدخل الكونفوشيوسية الآخذون بتعاليم كونغ فوتس الذي حرف بكونفشيوس ، وهكذا فهم يدخلون في المشركون ، لأن الإشراك غير مقصور على العرب الأقدمين ، بل هو فيهم وفي غيرهم مع ملاحظة أن كونغ فوتس بوذي الديانة ولكن له مذهبا خلقيا أخذ به أهل الصين .
وإن ذكر هؤلاء جميعا في موضوع واحد متعاطفين يدل على أمرين:
الأمر الأول- أنه لا عبرة في إجابة النبيين إلى اختلاف الملل والنحل ، بل الجميع أمام الرسالات الإلهية على سواء ، فمن أسرف وظلم كان حسابه عسيرا ، ومن آمن واهتدى كان من الله قريبا ، وإن الله سيفصل بينهم .
الأمر الثاني- أن الله وحده هو الذي يبين يوم القيامة:الحق فيثيب أهله ، والباطل فيعذب الذين تردوا فيه ، ولذا قال تعالى:{ إن الله يفصل بينهم يوم القيامة} الفصل بين الأشياء والأشخاص إبانة كل بخيره وشره ، والفصل بين الأقوال تبين صادقها من كاذبها ، وحقها من باطلها ، وكذلك الفصل بين النحل وأصحابها ، أي بيان الحق فيها والباطل منها ، وجزاء أهل الباطل ، وثواب أهل الحق ، وإن ذلك الفصل هو الحق ، لأن الفاصل هو الله تعالى ، وهو خير الفاصلين ، ولأنه العالم بكل شيء وبهم جميعا ، ولذا قال تعالى:{ إن الله على كل شيء شهيد} ، أي عالم علم من شاهد وعاين ، فهو حكم مؤيد بأسبابه ، وشاهده الأكبر ، وقوله تعالى:{ على كل شيء شهيد} فيه التعدية ب"على"إشارة إلى معنى الرقابة عليهم ، والإحاطة بهم ، وهو بكل شيء محيط ، لأن كل شيء خاضع له سبحانه .