وعمم سبحانه مآل الجماعات الظالمة ، فقال تعالت آياته:
{ فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد 45} .
"الفاء"عاطفة على قوله تعالى:{ فأمليت} ، و"كأين"بمعنى"كم"الخبرية الدالة على الكثرة ، والمعنى فكثير من القرى ، وهي المدن العظيمة بمعنى القبيلة المجتمعة في المدائن ، أو الأقاليم ، والمعنى كثير من القرى أهلكها الله تعالى بمعنى أهلك أهلها ، وأضيف الهلاك إلى المكان ، لأنه تخرب وتهدم ، وسقطت عروشه على جدرانه وخوي ، فكأن الهلاك أصابها في المظهر ، وإن كان لا يقع إلا على السكان ، وقد ذكر الله سبحانه أن ذلك كان والحال أنها ظالمة ، فنسب إليها الظلم ، وإن كان من أهلها ، وذلك لعموم الظلم في كل ربوعها ، وكل كيانها ، فأكل أموال الناس بالباطل ، وإشراك بالله ، واعتداء على الضعفاء ، وعدم إقامة لأي نوع من أنواع العدل ، فلا عدل في قانون ، ولا قضاء ، ولا اجتماع ، بل فساد في فساد ، وقال تعالى:{ وهي ظالمة} ، ولم يقل ظالمة ، للإشارة إلى أن الهلاك جاءها ، والظلم محيط بها لا تخرج عنه ، ولأن في التعبير بالحال يدل على التلبس به ، ولأن كلمة"هي"لتأكيد الظلم ، ففيه تكرار لذكر القرية ، ثم قال تعالى:{ فهي خاوية على عروشها} ، "الفاء"عاطفة على{ أهلكناها} ، و{ خاوية} بمعنى الخواء والفراغ وبمعنى السقوط ، وإن العذاب الذي كان ينزل بأولئك الظالمين الذين أشركوا بالله ، وعاثوا في الأرض فسادا ، كان يجيئهم بصواعق تنزل بهم أو أمطار بحجارة من سجيل ، أو نحوها كجعل عالي الأرض سافلها ، ومن شأن هذا أن السقوف ، وهي العروش المذكورة في الآية تهوي ، ثم تتحطم أو تسقط الجدران من بعد على العروش ، ولذا نرجح أن يكون تفسير الخاوية بسقوطها متهدمة على العروش .
{ وبئر معطلة} ، معطوفة على{ قرية} ، وتعطيل البئر كناية عن فناء الذين كانوا يردون إليها يستسقون منها ، ومعهم نعمهم ، وغيرها ، ومعنى هذا أنه لم يكن أحد من أهلها يأخذ الماء ليحيى به هو ودوابه ، بل ذهب كل ذلك ، فتعطلت الحياة والأمواه .
{ وقصر مشيد} مرتفع ومجصص بالجص مزين ، أي أنه تعطل كما تعطلت البئر ، وأصبح خاويا لا ساكن فيه ، وقد بناه للزينة والراحة ، فذهب وبقي القصر ، أو تهدم كالقرية أو في ضمنها ، وقد أراده للبقاء .