هذا هو الحق ، وإنه سيلاقيهم يوم يعلم كل إنسان ما قدمت يداه ، ولكن المشركين في عماء عن الحق ، ولذا قال تعالت كلماته:
{ ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير 71} .
الضمير في{ يعبدون} يعود إلى الكافرين الذين سيطرت عليهم الأوهام والأهواء والتقليد ، فيعبدون ما لم تنزل به حجة ترشدهم إلى عبادته ، والسلطان في قوله:{ ما لم ينزل به سلطانا} ، أي حجة نقلية نزلت من عند الله تعالى ، وسميت سلطانا ، لأنها تكون قوة تجعل لمن نزلت له قوة تجعل ما عنده قويا كالسلطان ولكن لم ينزل شيء من ذلك ، وإذا كان لم ينزل دليل نقلي من عند الله بعبادته ، هل لديهم برهان عقلي ينتج يقينا ؟ نفى الله تعالى ذلك أيضا فقال تعالى:{ وما ليس لهم به علم} ، أي ليس لهم به برهان عقلي يسوغ عبادتهم ، بل إن البرهان العقلي يؤدي إلى نقيضه ، لأنه لا يسمع ولا يبصر ، والقانون العقلي يوجب أن يكون المعبود أعظم من العابد ، فكيف يعبدون جمادا ، وهم أحياء ، وهو لا يعقل ، وهم يعقلون ؟ . .
إذا لم يكن عندهم دليل من عند الله أنزله فكان لهم سلطان ، ولا علم عقلي فإن ذلك يكون ظلما ، ولذا ختم الله سبحانه الآية الكريمة بقوله تعالى:{ وما للظالمين من نصير} ، وإذا كانوا يعبدون ما لا دليل عليه من نقل أو عقل ، ويشركون مع خالقهم في العبادة ، وهو الواحد الأحد ، فإن ذلك لأنفسهم ولقولهم ضلال وفساد ، وقد نفى الله تعالى أن يكون لهم نصير أيّ نصير ، إذ لا يمكن أن يكون نصيرا أمام قوة الله .
ومن لاستغراق النفي أي ليس نصير أيّ نصير من ملك أو إنسان .
ونشير هنا إشارة بيانية في قوله تعالى:{ وما ليس لهم به علم} فيه أن كلمة{ لهم} قدمت على{ عمل} ، وهي المبتدأ ، للدلالة على أنهم تهجموا من غير علم فقدم عقابه في الاهتمام ، وللدلالة على ضلالهم ، وقدم{ به} على{ علم} للدلالة على إمعانهم في الضلال وظلمهم للحق ، والله وليّ المؤمنين .