{سُلْطَاناً}: برهاناً وحجة .
ويستمرّ الحديث في أجواء حركة الرسالة مع الذين تمرّدوا على الله ،ولم يذعنوا للحقائق ،وأصرّوا على جهلهم ،ولم ينطلقوا إلى مواقع العلم ليأخذوا بها ليهتدوا سواء السبيل ...
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} فهم لا يملكون أية حجّةٍ من عقلٍ أو وحي على ألوهية من يعبدونهم من دون الله ،فهؤلاء لا يتميزون عن غيرهم من الموجودات المماثلة لهم في عناصرها وأشكالها بأية صفة خاصة ،ولا علاقة لهم بالوجود في خلقه وحركته من قريب أو من بعيد ،فليس هناك أساس علمي أو منطقي تستند إليه فكرة عبادتهم ،وهم في عبادتهم تلك يلتزمون ما لا يملكون حجّة عليه ،{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} لأنهم لو رجعوا إلى عقولهم لما وجدوا فيها من الحقيقة ما يقودهم إلى الالتزام بهذه العبادة ،ولو التفتوا إلى خصائص هذه الأشياء لما وجدوا فيها ما يفرض عليهم الاعتقاد بألوهيتها ،بل هو الجهل والتخلّف اللذان يصوّران لهم المسألة بصورة الحقيقة دون حجة أو أساس ،فهم يظلمون أنفسهم بالتزام عبادة هذه الأشياء التي تقودهم إلى الهلاك في الآخرة ،كما تقودهم إلى الانحراف عن خط الحق في الدنيا ،ويظلمون الحياة والناس عندما يركزون خط السير في غير الاتجاه الذي يلتقي بوحدانية الله ،ويظلمون ربّهم عندما يسيئون إليه ،ويبتعدون عن شكره والالتزام بتوحيده ،أداءً لحقه عليهم ،{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} ،لأنهم سيواجهون الموقف وحدهم ،بعيداً عمّن يعبدونهم وينتصرون بهم ،لأن هؤلاء لن ينصروهم ولن ينصروا أنفسهم لعجزهم عن فعل ذلك ،ولافتقادهم القوّة الذاتية ،وسيقفونوجهاً لوجهأمام العذاب الذي حكم الله عليهم به ،ولن ينصرهم أحد منه .