وإن هؤلاء الذين سيطرت عليهم الأوهام ، وتحكمت فيهم الأهواء والتقليد الأعمى لا يلقون آيات الله تعالى بما يستحق من عناية ، بل يقابلون بالاستنكار والسخرية ، فلا يهتدون ولا يفتحون قلوبهم لدخول الهداية ، ولذا قال تعالى عنهم:
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشرّ من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير 72} .
إن حال هؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا دليل عندهم يسوغ عبادته إلا أن تكون الأوهام التي تضلل الأفهام – من شأنهم ألا يستمعوا إلى الحق ، بل يعرضون عنه إعراضا ، ولذا قال عز من قائل:{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} الآيات هنا آيات القرآن المنكرة فإذا تتلى عليهم تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر- يصح أن يفسر المنكر هنا بالإنكار ويكون من قبيل المصدر الميمي ، كالمكرم بمعنى الإكرام ، وتكون معرفة الإنكار من الوجوه بالتهجم ، والغيظ ، ويصح أن يكون المنكر هو حال وجوههم من التغيظ والبسور ، والاستفظاع ، وسميت هذه الحال ،{ المنكر} ، لأنها في ذاتها أمر منكر ، إذ لا يتلقون الحق بالتفهم والتدبر ، بل يبادرون برده ردا عنيفا مستكبرين ، قد غلظت أعناقهم ، وتجهمت وجوههم{ يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا} السطو:الوثب للفتك بالذين يتلون ، كما حاولوا أن يسطوا بأبي بكر الصديق ، وكما حاول الجاهلون بالسطو على المستضعفين من المؤمنين ، وقال تعالى:{ يكادون يسطون} ، مع أنهم سطوا بالفعل ، ونقول:إن ذلك حكم عام ، والسطو الفعلي كان من بعضهم ، لا من جميعهم ، وما كان من التلاوة فقط ، بل كان من اعتناقهم الإسلام مع هذه التلاوة ، فالمقاربة بالنسبة لجميعهم ، لا بالنسبة لبعضهم .
وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يقول لهم:{ قل أفأنبئكم بشرّ من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير} ، الإنباء الإخبار بأخبار خطيرة لا تسرهم بل تضرهم ، والتنبئ كالإنباء بيد أن اللفظ ينبئ عن خطر ما تضمنه ، و"الفاء"في{ أفأنبئكم} فاء الإفصاح عن شرط ، تقديره مثلا أئذا كنتم تتجهمون من التلاوة أفأنبئكم بشر من هذه التلاوة ، وهذا نوع من التهكم بهم وإنذارهم بالإنذار الشديد ، والعقاب العتيد ، وبيان لمقابلة التهجم من القرآن والإعراض عنه بأنه يستقبلهم بما يوجب الغيظ والتجهم ، والبسور أشد وأفظع ، وهو النار أنذر الله تعالى بها الذين كفروا ، وعبر بالموصول للإشارة إلى أن الصلة وهي الكفر ، والإعراض عن الآيات البينات ( هي سبب الحكم ) ، وإنها نار لا نهاية لعذابها ، بل هم خالدون فيها ، وهي مصيرهم الذي لا ينتهي ، ولذا قال تعالى:{ وبئس المصير} بئس من أفعال الذم ، ومع أنها جامدة فهي من الألفاظ الدالة على البؤس ، فالنار مصير هو بؤس .