وتشير الآية الثّانية موضع البحث إلى عناد الوثنيين وإستكبارهم عن الإستجابة لآيات الله تعالى ،في جملة وجيزة لكنّها ذات دلالات كبيرة: ( وإذ تتلى عليهم آياتنا بيّنات تعرف من وجوه الذين كفروا المنكر ){[2668]} .
وهنا يسفر التناقض بين المنطق القرآني القويم وتعصّب الجاهلية الذيلا يرضخ للحقّ ولا يفتح قلبه لندائه الرحيم ،فما تليت عليهم آيات ربّهم إلاّ ظهرت علائم الاستكبار عنها في وجوههم حتّى إنّهم ( يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) أي كأنّهم يريدون مهاجمة الذين يتلون عليهم آيات اللهعز ّوجلّوضربهم بقبضات أيديهم ،تنفيساً عن التكبّر البغيض في قرارة أنفسهم .
كلمة «يسطون » مشتقّة من «السطوة » أي رفع اليد ومهاجمة الطرف الآخر ،وهي في الأصلكما قال الراغب الاصفهاني في مفرداتهقيام الفرس على رجليه ورفع يديه ،ثمّ إستعملت بالمعنى الذي ذكرناه .
ولو فكّر الإنسان منطقيّاً لما أغضبه حديث لا يرضاه ،ولما ثار مقطّباً متهيّئاً للهجوم على محدّثه مهما خالفه .بل يحاول ردّه ببيان منطقي .
وإنفعال المشركين على النحو المتقدّم دليل على انهيار تفكيرهم وغلبة الجهل والباطل عليهم .
وعبارة ( يكادون يسطون ) التي تتألّف من فعلين مضارعين ،دليل على استمرار حالة الهجوم والسباب في ذات المشركين وتأصّلها فيهم ،فتارةً يفعلونه ،وأُخرى تبدو علائمه على وجوههم حين لا تسمح به الأحوال .
وقد أمر القرآن المجيد الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يجبه هؤلاء المتغطرسين هاتفاً ( قل أفأنبئكم بشرّ من ذلكم النّار ){[2669]} .
أي إن زعمتم أنّ هذه الآيات البيّنات شرّ ،لأنّها لا تنسجم مع أفكاركم المنحرفة ،فإنّني اُخبركم بما هو شرّ منها ،ألا وهو عقاب الله الأليم ،النّار التي أعدّها الله جزاءً ( وعدها الله الذين كفروا ) ،( وبئس المصير ) .أجل ،إنّ النّار المحرقة لأسوأ مكان للمتشدّدين الحادّي المزاج الذين أحرقت نار عصبيّتهم ولجاجهم قلوبهم ،لأنّ العقاب الإلهي يتناسب دائماً مع كيفية الذنب والعصيان .
/خ74