ولقد ذكر سبحانه خلقه بعد أن صار في أصلاب الآباء ، ثم أرحام الأمهات ، فقال:
{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ( 13 )} .
العطف ب "ثم"له موضعه ، لأنه مر بأصلاب الآباء ، ثم دفق الماء الذي هو النطفة في أرحام الأمهات ، كما قال تعالى في تكوينه:{ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( 8 ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ( 9 ) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ( 10 )} [ الطارق] وقوله:{ ثم جعلناه} ، الضمير يعود إلى الطين الذي جعل سلالته أي ما ينسل منهنطفة .
و{ وجعلناه} هنا بمعنى حولناه في أصلاب الآباء نطفة هي الماء الدافق الذي ألقي في أرحام الأمهات ، وهذه الأرحام هي ( القرار المكين ) فالقرار معناه المستقر ، ووصف بأنه مكين ، أي أنه محكم ، ما استقر فيه لا يمكن أن يخرج منه ، ووصف المستقر بأنه مكين من حيث إن ما يدخله يكون ثابتا ، بل يتربى في موضعه ويتغذى حتى يحين ميقاته ، فوصف الموضع بالاستقرار ، والمكانة والثبات مع أن الثابت المستقر هو ما أودعه ، كما يوصف الطريق بأنه سائر مع أن السائر هو الماشي فيه .
وإن الله الخلاق العليم يجعل الأرحام عندما يدفق فيها الماء يغلق عليه ويتربى فيه ، ويتغذى من الدم ، حتى يحين ميعاد الولادة ، والأدوار التي يذكرها الله تعالى