هذا كلام نوحعليه السلامفي دعوته قومه ، وقد بينا أنه يتشابه مع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قومه ، وقد كان جواب قومه بعد أن دعاهم عليه السلام مشابها لإجابة قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن أمعن في دعوته ، قالوا له عليه السلام:
{ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( 24 )} .
كانت إجابتهم إجابة من فوجئ بأمر لم يألفه ولم يعرفه ، وكذلك كانت إجابة أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا أولا{ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} ، كذلك قال أهل مكة ، قالوا:{ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} [ الفرقان] ، وقالوا ثانيا{ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي يطلب الفضل عليكم بالرياسة والسلطان ، كذلك قال أبو جهل أحد زعماء الشرك وأطغاهم ؛ فقد قال في سبب كفره:تنازعنا وبني عبد مناف الشرف ، اطعموا فأطعمنا ، وسقوا فسقينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب قالوا منا نبي ، فأنى يكون لنا ذلك ، والله لا نؤمن به أبدا .
وقالوا ثالثا{ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً} ، أي لو شاء الله أن ينزل رسالة من عنده لأنزل بها ملكا يخاطبنا ، كذلك طلب المشركون أن ينزل عليهم بالرسالة ملك ،{ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ( 8 ) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ( 9 )} [ الأنعام] .
وقالوا رابعا في رد دعوة نوح للتوحيد:{ مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} ، أي إنهم لا يتبعون إلا ما كان عليه آباؤهم ، كما قال تعالى عن مشركي مكة ،{ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْقَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ( 180 )} [ البقرة] ، وهكذا نجد رد قوم نوح عليه السلام يشبهه تماما رد المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت نتيجته أن أهلك الله تعالى الكافرين من قوم نوح ، وكان عليهم أن يتوقعوا مثل ما نزل بقوم نوح ، لولا رحمة الله ، عسى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ، بل أن يكون منهم من ينصر الحق ، ويجاهد مع المجاهدين .