من أخبار الرسل
قص الله تعالى بعد ذلك قصص النبيين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعليما له وبيانا لتشابه إجابة الكافرين ، مما يدل على موطن الشك في قلوبهم الذي ينادي بها إلى الكفر ، وظلم النبيين ، وإنكار الحقائق التي تؤيدها الفطرة ، وإنهم إذ يتشابهون في الكفر قد تشابهوا فيما يتذرعون به من إنكار ، كما أن دعوات النبيين واحدة في ابتدائها وهي الدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده ، وهذا نوح الأب الثاني للبشرية يقول الله تعالت كلماته فيه .
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( 23 )} .
ناداهم مقربا لنفوسهم متلطفا معهم في القول:{ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّه} ابتدأ بذكر أنهم قومه الذين ألفهم وألفوه ، وجربوه ، ولم يعهدوا عليه كذبا ، وما أشبه هذا بقول محمد صلى الله عليه وسلم في أول دعوته لقريش:( أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا:نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ، قال:فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد )َ{[1539]} قال نوح لقومه:{ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي وحده فلا عبادة إلا له وحده ، ولذا قال بعد ذلك{ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}{ من} لاستغراق النفي ، أي ليس لكم أي إله غيره ، فلا ألوهية إلا له سبحانه وتعالى ، وحرضهم على الطاعة ، وخلع عبادة الأوثان ، فقال:{ أَفَلَا تَتَّقُونَ} ، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي ترتب على الأمر بعبادته سبحانه وحده وبطلان عبادة الأوثان التي يعبدونها أن يطلب منهم محرضا تقوى الله واتقاء عذابه ، والفاء مؤخرة عن تقديم لأن الاستفهام له الصدارة ، والاستفهام للتنبيه ، والتحريض على اتقاء العذاب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه في أول دعوته:( إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا ){[1540]} .