ولم تقتصر نعم الله على العباد في ما سخره لهم من قوى كونية ،أو في ما خلقه من حيوان ينتفعون به ،بل تعدّت ذلك إلى النعم الرسالية التي تضمّنت توجيههم إلى ما يصلح أمورهم في الدنيا والآخرة بالإيمان والعمل الصالح ،من خلال رسل الله ورسالاته التي بلّغوها للناس ،ليهتدوا بها في ظلمات الحياة ..
وهذه جولة جديدة في تاريخ الرسل ،وفي النتائج السلبية التي واجهوها في إبلاغهم لرسالاتهم من قِبَل قومهم .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِه} ليهديهم سواء السبيل ،وليبلغهم رسالة الله ،{فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ} وحده ولا تشركوا به شيئاً ،{مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ،لأن الآلهة التي تصنعونها بأيديكم ،أو التي ترفعونها إلى مقام الألوهية بإرادتكم ،أو التي تفرض نفسها عليكم من مواقع القوّة أو السلطة أو المال ،لا تحمل أيّ سرّ من أسرار الألوهية ،ولا تملك أيّ موقع من مواقعها لجهة ما تمثّله من قوّة مطلقة لا تقف عند حدّ ،ومعرفة غير محدودة ،بحيث لا يغيب عنها شيء ،وغنى مطلق لا تحتاج معه إلى أحد أو إلى شيء ،فارجعوا إلى عقولكم لتفكروا فتهتدوا بها ،وتحرّكوا مع فطرتكم التي تؤكد لكم بأن هذا السلوك الذي تسلكونه لا يحقق لكم أيّ مقدار من الأمن من الخوف الذي تعيشون ،{أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الله الذي خلقكم ورزقكم من الطيبات ومن كل شيء ،وهداكم سواء السبيل ،لتقودكم التقوى إلى الإيمان بوحدانيته في خط العقيدة والعبادة .
ولكن هؤلاء ليسوا طلاب فكرٍ ،وليسوا روّاد حقيقة ،بل هم أتباع شهوةٍ ،وطلاّب منفعة ،ولهذا ابتعدوا عن التفكير في مضمون ما قدّمه إليهم ،وفضّلوا المبادرة إلى الرفض من أقرب الطرق التي لا تكلفهم عناء البحث والحوار وصولاً إلى الحقيقة ،لأنهم لا يرغبون في معرفة الحقيقة والاطلاع على مواردها ومصادرها ..