الرسل بعد نوح لاقوا ما لاقى
ذكر الله تعالى نبذة صغيرة من قصة نوح عليه السلام مشيرة إلى سائرها الذي ذكر مفصلا في سورة هود ، وهي نموذج قرآني لقصة الذين كانوا بين نوح ومحمد صلى الله عليه وسلم ، من الرسل ، في تكذيب أقوامهم ، ونوع هذا التكذيب ، فهم يحسبون أن الرسول لا يكون بشرا يأكل مما يأكلون ، ويشرب مما يشربون ، ويحسبون أنه لا بعث ولا نشور ، وأن الأتباع يكونون من الأقوياء لا من الضعفاء الأذلين في زعمهم الفاسدين ، وفي ذلك بيان أن ما ينزل بمحمد من بلاء الأقوياء المستكبرين هو صور من صور ما لاقاه النبيون من نوح . فعليه الصبر كما صبر أولو العزم من الرسل .
قال تعالى:{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( 31 )} .
العطف بثم لتطاول الزمن بين نوح ، وبين من جاءوا بعد ، والقرن جماعة من الناس ، وذكرهم سبحانه وتعالى بالمفرد ولم يذكرهم بالجمع ، لتشابه أحوالهم في نوع إنكارهم ، وما يدعون إليه رسلهم ، فكانوا كقرن واحد ، وليسوا قرونا متعددين ، وكلمة{ آخرين} ، أي ليس هم قوم نوح ، وإن كانوا على شاكلتهم ، وكفروا كفرهم ، وضلوا ضلالهم . ولم يذكر سبحانه من هم هذا القرن ، ولا شك أنه جاء بعد نوح عاد وثمود ومدين ، وأرسل لهم رسلا آخرين دعوهم إلى ما دعا إليه نوح عليه السلام ، من توحيد ، وإيمان بالبعث والنشور ، وأن الثواب للمؤمنين ، والعقاب للظالمين ، ولم يذكر الله تعالى بالتعيين هؤلاء الأقوام ، وإن لم يقصص القرآن قصصهم فقد قال تعالى:{ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ( 78 )} [ غافر] .