وقد بين سبحانه وتعالى العبرة في هذا قصص المحكم الخاص بنوح وقومه ، فقال عز من قائل:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ( 30 )} .
أي أن في ذلك القصص الخاص بنوح وقومه ، وكيف أرهقوه من أمر الرسالة عسرا ، لآيات وعبر للذين يستبصرون ، ويدركون أن الأمور البالية يتعرض أصحابها للمشقات من أهل الباطل والضلال ، وقد كان إحجام الضالين أولا لأنه بشر مثلهم ، ولأنهم ينكرون البعث ولا يؤمنون به ، ولأنه اتبعه الضعفاء والفقراء الذين ازدرتهم أعين المستكبرين ، وهكذا مما ابتليت به أنت ، وكانت الآية الأخيرة أن الله تعالى أغرقهم ، وقطع دابر الذين ظلموا ، وفيه آية سامية في علوها وهي أن الزلفى عند الله بالحق والإيمان به ، لا بالقرابة فهذا ابن نوح كان من المغرقين مع أنه أقرب الناس إلى نوح .
وإن فضل الله تعالى وشأنه أن يعامل الأخيار معاملة المختبرين ، ولذا قال تعالى:{ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} إن هنا هي المخففة من الثقيلة ، وإنها ضمير الشأن والمعنى ، وإن الحال والشأن للذات العلية{ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} ، و( كان ) تدل على الدوام ، واللام واقعة في خبر إن مميزة لها ، ومبتلين خبر كنا ، وهي اسم فاعل ، لا اسم مفعول ، أي إن الحال والشأن أن نعامل الأبرار معاملة المختبرين لكي يعرف خيرهم ، ويظهر استحقاقهم للثواب ، وإن المخير لا يأتي عفوا سهلا ميسرا ، لا بد له من جهاد ، وعلى قدر الجهاد يكون الثواب ، وكان حقا على محمد صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المشركين ، ولا ييأس من نصر الله ، ولله ورسوله الغلبة والعزة .