هذه صفات المؤمنين وعقباها جاء بها سبحانه وسط وصف الكافرين ، واستكبارهم ليكون المؤمنون مجال اعتبار ، وليمكن لهم ، ثم أخذ سبحانه يتمم بيان ضلال الكافرين ، فقال تعالى:
{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ( 63 )} .
الإضراب هنا فيه بيان أنهم لا ينتفعون بالعظات والعبر ، ولا يستبصرون بهداية المهتدين ، ولا يتعرفون مآل الحق وأهله ، ولا مآل الباطل وأهله{ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا} الغمرة أصلها ما يغمر الإنسان من الماء ، وقد فسر بعضهم الغمرة بالغفلة التي غمرتهم ، وهو تفسير حسن ، وقد غفلوا أولا عن الكتاب الذي يكتب الحسنات والسيئات ، أو علم الله تعالى الذي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها ، وغفلوا عن رقابة الله تعالى لأعمالهم وغفلوا عن أعمال المؤمنين واستقامة قلوبهم ، وهم أناس مثلهم ، قد سبقوهم في الفضل وشرف الإيمان ، والمسارعة في الخيرات والسبق فيها ، وأنهم قد سارعوا في الكفر ، كما سارع المؤمنون في الخيرات ، وسبقوا إليها ، فكان لهم في الكفر أعمال كثيرة منها:أنهم حرموا على أنفسهم ما لم يحرم الله تعالى ، كما حرموا السائبة والوصيلة والبحيرة . . ، ومنها:أنهم جعلوا للأوثان نصيبا من الحرث ، ومنها:أنهم صدوا عن سبيل الله ، ومنها:أنهم فتنوا المؤمنين في دينهم ، ومنها:أنهم آذوهم وأخرجوهم ، ومنها:أن رءوسهم صارت عشا للخرافات والأوهام ؛ ولذا قال تعالى:{ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} وقد أشرنا إلى بعض هذه الأعمال . ومنها:طوافهم بالبيت عراة ، وادعاؤهم أن الله تعالى أمر بها{ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا . . . ( 28 )} [ الأعراف] ، وقوله تعالى:{ من دون ذلك} الإشارة إلى الشرك والكفر بآيات الله تعالى ، وإنكار التوحيد ، و{ من} بيانية ،{ دون} أي غيرها وأدنى منها درجة في التكليف ، وأنهم مستمرون ، وهذا معنى قوله تعالى:{ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} فالجملة حالية من ضمير "لهم"، أي والحال أنهم مستمرون على هذه الأعمال غير منقطعين عنها فهم في ضلال مستمر .