وبين سبحانه أن الله تعالى يريد اليسر من عباده ، ولا يريد العسر ، وأنه لا يكلف سبحانه إلا بما يكون في دائرة الطاقة في يسر ومن غير مشقة ، فيقول تعالت حكمته:
{ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( 62 )} .
الواو للاستئناف ،{ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي إلا ما في طاقتها ، وتستطيع القيام به في سعة من غير إرهاق ولا إجهاد ، فلفظ{ وسعها} ، يشير إلى أنه تكون عند عمله في سعة من غير ضيق ولا إحراج ، فلا حرج في الدين ولا ضيق ، وكذلك كل تكليفات الإسلام ليس فيها شقة فوق الطاقة ، وما يكون فيها شقة ربما تكون شديدة أحيانا لا تكون على الكافة كالجهاد ، بل يكون ابتداء فرض كفاية إلا أن يدخل العدو أرضنا ، فيكون فرض عين على كل قادر على حمل السلاح ، لأنه يكون شقة شديدة لدفع شقة أشد ، وهي شقة الذل وضياع الدين ، وهذه أشد الشقات .
والصفات التي اتصف بها المؤمنون ، والأعمال التي يقومون بها في الطاقة ، والعمل عن سعة ويسر وسهولة إلا على الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر .
وإن كل عمل خيرا أو شرا في إحصاء دقيق لا يتخلف عنه شيء ، ولذا قال تعالى:{ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ} قالوا:إنه كتاب الأعمال الذي يحصى فيه كل عمل خيرا كان أو شرا ، ويصح أن نقول:إن ذلك تصوير لعلم الله بما يفعله كل إنسان ، ويوم القيامة يجده محضرا يخبر به ويحاسب عليه ، لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وصور الله سبحانه وتعالى إحصاء أعماله كله كأنها تنطق به متلبسة بالحق مخالطة له غير بعيدة ، وأكد سبحانه أنهم لا يظلمون ، فقال:{ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ، فلا ينقص من خير فعلوه ، ولا يزاد على سيئاتهم سيئات ، بل إن الله يعفو عن السيئات إذا كثرت الحسنات:{ إن الحسنات يذهبن السيئات . . . ( 114 )} [ هود] .