تذييل لما تقدم من أحوال الذين من خشية ربهم مشفقون .لأنه لما ذكر ما اقتضى مخالفة المشركين لما أمروا به من توحيد الدين ،وذكر بعده ما دل على تقوى المؤمنين بالخشية وصحة الإيمان والبذل ومسارعتهم في الخيرات ،ذيل ذلك بأن الله ما طلب من الذين تقطعوا أمرهم إلا تكليفاً لا يشق عليهم ،وبأن الله عذر من المؤمنين من لم يبلغوا مبلغ من يفوتهم في الأعمال عذراً يقتضي اعتبار أجرهم على ما فاتهم إذا بذلوا غاية وسعهم .قال تعالى{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله}[ التوبة: 91] .
فقوله:{ ولا نكلف نفساً إلا وسعها} خبر مراد منه لازمه وهو تسجيل التقصير على الذين تقطعوا أمرهم بينهم .وقطع معذرتهم ،وتيسير الاعتذار على الذين هم من خشية ربهم مشفقون كقوله تعالى:{ يريد الله بكم اليسر}[ البقرة: 185] مع ما في ذلك من جبر الخواطر المنكسرة من أهل الإيمان الذين لم يلحقوا غيرهم لعجز أو خصاصة .
ولمراعاة هذا المعنى عطف قوله:{ ولدينا كتاب ينطق بالحق} وهو معنى إحاطة العلم بأحوالهم ونواياهم .فالكتاب هنا هو الأمر الذي فيه تسجيل الأعمال من حسنات وسيئات وإطلاق الكتاب عليه لإحاطته .وفي قوله{ لدينا} دلالة على أن ذلك محفوظ لا يستطيع أحد تغييره بزيادة ولا نقصان .والنطق مستعار للدلالة ،ويجوز أن يكون نطق الكتاب حقيقة بأن تكون الحروف المكتوبة فيه ذات أصوات وقدرة الله لا تُحد .
وأما قوله{ وهم لا يظلمون} فالمناسب أن يكون مسوقاً لمؤاخذة المفرّطين والمعرضين فيكون الضمير عائداً إلى ما عاد إليه ضمير{ فتقطعوا أمرهم}[ المؤمنون: 53] وأشباهه من الضمائر والاعتماد على قرينة السياق ،وقوله{ بل قلوبهم في غمرة من هذا}[ المؤمنون: 63] وما بعده من الضمائر .والظلم على هذا الوجه محمول على ظاهره وهو حرمان الحق والاعتداء .
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى عموم الأنفس في قوله{ ولا نكلف نفساً إلا وسعها} فيكون قوله{ وهم لا يظلمون} من بقية التذييل ،والظلم على هذا الوجه مستعمل في النقص من الحق كقوله تعالى:{ كلتا الجنتين آتتْ أكلها ولم تظلم منه شيئاً}[ الكهف: 33] فيكون وعيداً لفريق ووعداً لفريق .وهذا أليق الوجهين بالإعجاز .