قوله تعالى:{ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ( 62 ) بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ( 63 ) حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ( 64 ) لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ( 65 ) قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ( 66 ) مستكبرين به سامرا تهجرون ( 67 )} ذلك إخبار كريم عن عدل الله العظيم .العدل الرباني المطلق الذي لا يضاهيه في هذا الوجود عدل .ولا عجب فإن العدل صفة من صفات الله .وهي لا جرم تتسم بالكمال ،لكمال ذاته سبحانه .ومن مقتضيات عدل الله المطلق أن لا يكلف العباد ما لا يطيقونه من أحكام .فأيما أمر أو تكليف يتجاوز الطاقة للإنسان فلا يحتمل ؛فإنه مرفوع .وعلى هذا فإن هذه الآية ناسخة لكل ما ورد من تكليف ما لا يطاق أو لا يحتمل .وذلكم العدل الرباني المميز .وهذه واحدة من خصائص الإسلام التي تجلي فيه الصلوح لكل زمان ومكان .وهو انتفاء الحرج من هذا الدين كله .لتكون أحكامه وتعاليمه ومثله كلها في حدود الميسور والمقدور مما يحتمله الإنسان ويطيق العمل به في غير مشقة ولا عسر ولا حرج .
وفي هذه الحقيقة من رفع الحرج والتكليف بما لا يطاق تنسحب على سائر الأحكام في هذا الدين الرحيب الميسور .
قوله: ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) والمراد به كتاب أعمال العباد ،ففيه جميع ما أسلفوا من الأقوال والأفعال ،لا يغيب منها شيء .وذلك كله مسطور في كتاب يشهد عليه بالحق .وقيل: المراد اللوح المحفوظ ؛فقد أثبت الله فيه كل شيء ( وهم لا يظلمون ) أي لا يزاد على سيئاتهم ما لم يعملوه ولا ينقص من حسناتهم مما عملوه . وإنما يجزون ما عملوا من خير أو شر .