وأنهم يستمرون في غيهم حتى يجيئهم العذاب الذي لا يزول ؛ ولذا قال تعالى:
{ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 77 )} .
سار الزمخشري على المنهاج الذي ارتضاه في الآيات الثلاث ، وهو أن موضوع الآيات أهل مكة ، فذكر أن الباب الذي فتحه الله تعالى هو الجوع ، وذكر أنه أشد الأبواب .
ونحن على رأينا ، وهو أن الآيات وصف للمشركين في الشدائد تنزل بهم ، والكفر المستمر الذي يلابسهم في كل أحوالهم ، ويكون الباب الذي يفتح عليهم من العذاب ولا يغلقيوم القيامة .
{ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ . . . ( 77 )} .
{ حتى} هنا تقريعية لا غائية أي يتفرع عن هذا اللهو الذي هو فيه سائرون ، لا تنزع بهم الشدائد عن شرهم أن يفاجأوا إذا جاء باب من الشدة لا يغلق ، و يرجى أن يغلق ، وهو يوم القيامة ، وسماه سبحانه بابا ذا عذاب شديد ؛ لأنه كالباب الذي كان مسدودا ، ثم فتحه الله تعالى فلا يسد أبدا ، فهو باب ابتدأ بالبعث والنشور ، ثم ثنى سبحانه بالحساب وأعمالهم تنطق عليهم بآثامهم ، وإنها لتنطق بالحق ، ثم ختم بالإلقاء في الجحيم ، وكل هذا تصوير لحالهم من حيث إنهم كانوا كلما نزلت بهم شديدة رجوا بعدها نجاة حتى جاءهم ما لا ينتهي ولا يسد أبدا ، وهو يوم القيامة ، وسمي بابا ، لأنه يفتح ، وينتهي إلى الجحيم التي فيها يسجرون .
ويقول سبحانه:{ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} الضمير يعود إلى الباب ، ويقصد ما وراءه مما يدخلون فيه{ مبلسون} أي متحيرون ، كما يقول الله تعالى:{ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( 12 )} [ الروم] ، وقال تعالى:{ لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ( 75 )} [ الزخرف] ، والإبلاس كما أشرنا هو الحيرة الشديدة مع اليأس الذي لا رجاء فيه .