ولقد أمر الله تعالى رسوله بأمرهم بالطاعة في كل الأمور في الحرب وغيرها من الطاعات ، وما تقوم عليه الجماعات فقال:
{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( 54 )} .
أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك ، لأن هذا من تبليغ الرسالة ، وهو وحده المبلغ ، والله هو الذي يكلفه بالتبليغ ، وإن الطاعة وحدها هي التي تكشف ما يختفى من نيات ، وما يظهر من أمور قد تبين في لحن القول ، والمنافقون يعرفون في لحن أقوالهم كما قال:{. . . ولتعرفنهم في لحن القول . . . ( 30 )} [ محمد] ،{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ، أي أطيعوا طاعة من صميم قلوبكم ، لا من ظاهر أقوالكم ، وذكر الرسول مع الله ، للإشارة إلى التلازم بينهما ، وإلى أن طاعة الرسول واجبة على الأمة ، لكيلا يتململ اليهود ، والمنافقون من إجابة الرسول ، زاعمين في نفوسهم الفاسدة الفصل بين طاعة الله وطاعة رسوله ، فيعصون الرسول ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، والخطاب للمنافقين ومن في قلوبهم مرض{ فإن تولوا} هذا فعل مضارع حذفت فيه التاء الأولى ، في "تتولوا"حذفت لكيلا يثقل على اللسان توالي التاءات ، أي فإن تعرضوا ولا تطيعوا وتخضعوا{ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} من تكليف بالبلاغ ، والدعوة إلى الجهاد والفضيلة ، والعبادة الخالصة لوجه الله ،{ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} من الطاعة والاستجابة ، والفاء هي الواقعة في جواب الشرط ، والفاء الأولى في قوله تعالى:{ فَإِن تَوَلَّوا} تفصح عن كلام مقدر ، أي إن استحببتم فقد آمنتم ، وإن تتولوا فالعاقبة عليكم ، ودل على هذا قوله تعالى:{ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} ، أي هو البلاغ ، أي ليس عليه إلا ما حمله وهو البلاغ ، وقدم الجار والمجرور للدلالة على الاختصاص ، أي عليه ما حمّل وهو التبليغ ليس عليه غيره ، فهو لا يهديكم ، ولا يرشدكم ويدعوكم ، ثم قال تعالى{ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} من إجابة للتبليغ ، وقيام بحق الطاعة ، والإخلاص ، وإن لم تقوموا بحق ما حملتم ضل سبيلكم وخاب أمركم ،{ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} أي أن السبيل لاهتدائكم ، ليست الأيمان التي تحلفونها ، وإنما السبيل لذلك هو أن تطيعوا بملء قلوبكم ، وخضوع نفوسكم ، وليس ذلك إلا ما حملتموه ، وما على الرسول أن تهتدوا ، إنما عليه أن يرشد ، ولذلك قال عز من قائل:{ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ، المبين الموضح للحقائق من غير مماراة ، فإن الجدل وراء الجدل ضياع ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .