وأشار سبحانه إلى أن الذين كفروا مأواهم النار وبئس المصير ، فقال عز من قائل:
{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 57 )} .
بين الله تعالى في الآيتين السابقتين أنه بالجهاد الدائم المستمر يكون للمؤمنين الصالحين الاستخلاف في الأرض بوعد الله المؤكد ، وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وطاعة الرسول والأئمة العادلين من بعده ، وفي هذه الآية يبين سبحانه مآل المشركين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين ، وكان الفصل بين الجملتين وعدم الاتصال بالعطف لكمال الاتصال بين موضوع الآيتين ، فالآيتان السابقتان فيهما بيان ما للمؤمنين من منزلة وما تحلوا به من طاعة للرسول ، والآية الأخيرة فيها بيان المخالفة والمعاندة ، وفوق ذلك الآية الأولى تبين غاية الجهاد ، والثانية حال الذين يجاهدهم المؤمنون .
والنهي عن الحسبان والظن ، وهو في معنى النفي ، أي لا يصح لمثلك يا رسول الحق والتوحيد أن تظن أن الذين كفروا معجزين في الأرض ، بل جاهدهم وأنت الغالب ، والله ناصرك ، والعاقبة للمتقين الأبرار ، لا للكفار الفجار .
والتعبير بالموصول وهو{ الذين كفروا} يشير إلى السبب في نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ، وقوله تعالى:{ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} ، أي أنهم غالبون في الأرض لا يعجزهم شيء ، فإن الكافرين يحملون في نفوسهم عوامل عجزهم ، لأنهم تسيطر عليهم الأهواء وهم يعيدون عن الحق ، فمن غالبهم يغلبهم بعون الله تعالى وتأييده ، والله يؤيد من يشاء بنصر من عنده .
وإن نتيجة الحياة الدنيا لهم أن يكونوا في الآخرة في جهنم ، ولذا قال تعالى:{ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} المأوى المكان الذي يأوي إليه المسافر أو العامل الكادح ، فالتعبير عن النار بأنها مأوى فيه نوع من التهكم عليهم ، و"بئس"لفظ يدل على الذم ، والنار تذم لأنها عذاب ، ولأنهم خالدون فيها ، وقد أكد سبحانه الذم باللام ،{ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .