آيات الله في الكون
الرؤية هنا بصرية نظرية ، ذلك أنه من ينظر ببصره الظل وهو يمدّ ، والمد:الجر والسحب ، يراه رأي العين يجر شيئا فشيئا من انبلاج الفجر ، إلى طلوع الشمس يرى ذلك بالنظر ، ثم يتدبر بالفكر في صانعه ، ولذلك قال:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} والرؤية بالبصر تكون في مد الظل شيئا فشيئا ، والرؤية النظرية في سر ذلك وسببه ، ولذا وجهت الرؤية إلى الله خالق الأكوان والقادر على كل شيء ، والرؤية حينئذ رؤية علمية إلى صانع المد ، وما يكون حتى مطلع الشمس ، والمد كما قلنا هو السحب والجر ، والظل وهو ما لا تظهر فيه الشمس ، سواء أكانت في حال إشراقها ، أم في حال زوالها ، وهو هنا ما قبل إشراقها ، وهو يمتد شيئا فشيئا ، فالفجر ينبلج ، ثم يكون الإسفار متدرجا حتى تطلع الشمس فهو كقوله تعالى:{ والصبح إذا تنفس ( 18 )} [ التكوير] ، إذ يمتد الظل شيئا فشيئا ، ويبرز الناس إلى الحياة متدرجين في بعث الحياة في الأعمال ، وكأنه يتنفس تنفسا .
هذا توجيه إلى تعرف بدائع الخلق ، وإنه في هذه الحال ، تكون الراحة النفسية ، واستقبال الحياة مبشرا ، وإن ذلك صنيع الله تعالى خالق كل شيء ومبدعه ، خلقه سبحانه بإرادته المختارة ، التي ينشئ بها كل شيء في الوجود ، فلا تصدر عنه صدور العلة عن معلولها ،{ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} ، أي باقيا مقيما ، وتكون كلمة ساكنا وضعا من السكنى ، وعندئذ لا تبعث الراحة والسعادة والاستبشار ، وقد قال تعالى في آية أخرى{ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة . . . ( 71 )} [ القصص] ، فسبحان مقلب الأحوال ، وسبحان مقلب القلوب .
قال تعالى:{ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} انتقل السياق القرآني من الغيبة إلى المتكلم ، لبيان إرادة الله الواضحة ، وأنه هو الفاعل المختار ، ولتربية المهابة في النفوس بخطابه بذاته العلية خطابا واضحا معلما ، والعطف بثم للإشارة إلى التفاوت بين الظل والشمس الساطعة ، وكانت الشمس دليلا على الظل ، لأن إشراقها نهايته ، ولأن ضوء الشمس يدخل في ظلام الليل شيئا فشيئا من انبثاق الفجر ، فهو الدليل الواضح للظل ، حتى يكون الصباح .