ولقد صرح سبحانه بأنه خالق الليل والنهار بعد أن أشار إلى بعض الأسباب .
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ( 47 )} .
في هذه الآية الكريمة يذكر ما جعله الله تعالى من خواص الليل ، وما جعله من خواص النهار ، فجعل الليل كاللباس للناس ، لأنه يستر عوراتهم ، ولا يكشف ، ويكونون في كن من الظلام ساتر غير كاشف ، فشبه سبحانه الليل باللباس الساتر بجامع ستره للعورات وما لا يصح إبداؤه ، وقوله تعالى{ وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} أي جعلنا النوم قاطعا عن العمل منهيا للحركة ، وفي ذلك الراحة اليومية ، وتجديد القوى للعود للعمل ، وذلك لأن السبات من السبت وهو القطع ، وسمى السبت سبتا لأنه قاطع من عمل الأسبوع ، ومنه له ، وإخلاد إلى الراحة من بعده ، وذلك في عقيدة اليهود إذ كانوا في السبت ينقطعون عن العمل والصيد ، ويستجمون ، والنوم في ذاته موت للحس ، وقعود عن الحركة ، ولذا قال تعالى:{ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار . . . ( 60 )} [ الأنعام] .
وجعل النهار نشورا ، أي جعل النهار فيه النشور ، أي الانتشار للحركة والعمل ، وفي كلمة نشور إشارة إلى أمور ثلاثة:أولهاإبعاد إلى لباس الليل وإنهاء لسباته ، وثانيهاالحركة العاملة التي بها يعمر الكون ، وثالثهاالكسب في الحياة وظهور الأعمال خيرها وشرها ، ولذا قال تعالى في الآية التي تلونا ،{ ويعلم ما جرحتم بالنهار} أي كسبتم بالنهار ، وسمى الله تعالى النهار نشورا ، فسمى الزمان باسم ما يقع عليه ، وهذا مجاز علاقته الظرفية ، وفي ذلك ما يفيد أنه زمن حركة وعمل ، وليس زمن توان وكسل ، وهذه دعوة إلى العمل ، فالعمل حياة ، والكسل موت .
وهذه الآية متصلة بما قبلها ، فالآية السابقة شرحت عجائب في خلق النهار من الليل كيف يبتدئ بمد الظل ، ولو شاء لجعله ساكنا ، وكيف جعل الشمس مشرقة داعية إلى العمل والحياة ، وكيف قبض الظل متدرجا حتى جاء الليل ، وفي هذه الآية:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا . . .} بين سبحانه حكمته في خلق الليل والنهار ، إذ يبدأ النهار بمد الظل ، ثم يقبضه متدرجا في قبضه ، حتى يجيء الليل ، ومن الليل النهار ، وجعلهما خلفة .