ذكر الله تعالى بعد ذلك وصفا يدل على إخلاص قلوبهم لمن يجيء بعدهم من ذرياتهم ، إذ يريدون أن تمتد التقوى في أعقابهم من بعدهم ، فيقول سبحانه
{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} .
هذا النص السامي يدل على أن أخلاق عباده أن يطلبوا الولد تقيا مؤمنا صادقا الإيمان لا أن يطلبوا النعم ؛ لأن عمارة هذا الوجود بالولد ، ولذا طلبوا هبته ، ولم يطلبوا الحرمان ، كما يطلب فجرة هذا الزمان المشئوم ، كرر طلب الولد الصلبي في قوله تعالى:{ هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} ، لأن الولد المنسوب إلى الأزواج وهو جمع زوج هو الولد الصلبي ، وأما الولد من الذرية فهو من بعد الولد الصلبي ، والذرية الأولاد من الظهور كالابن وابن الابن وبنت الابن ، وذلك على اصطلاح الفقهاء ، وهو مشتق من اللغة ، ونرى أن النص يومئ إلى أنه من يكون دمه ، سواء أكان من أولاد الظهور ، أم من أولاد البطون ، ومهما يكن الخلاف في هذا فإنه لا جدوى فيه من موضوعنا لأنه إن اقتصر في ناحية على أولاد الظهور ، فمن ناحية أخرى يطلب غيره من يكون من أولاد الظهور له ، وتعم الدعوة السلالات أجمعين إذا خلصت كل النفوس ، وكانوا عباد الرحمن .
كان طلب عباد الله الصالحين ، أن تكون لهم أعقاب صالحة ، عبروا عنها في دعوتهم بقوله{ قرة أعين} القرة من القرار وهو الاستقرار والثبات ، ويقول الأصفهاني في مفرداته:إن الأصل فيه أنه من القر بضم الراء وهو البرد ، لأن العين في حال تستقر ، وتهدأ ، إذ كانوا يرهبون الحر ، لأنه عندهم يكون شديدا ، وقالوا برد المتقين وغيرهم يقول حرار الإيمان ، والمفهوم من قرة العين أن تكون مطمئنة بذكر الله وأن يكونوا في سكينة الإيمان ، وقرار العين مظهر من مظاهر سكون النفس ، واطمئنان الفؤاد .
وقالوا في دعائهم:{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي اجعلنا معشر عباد الرحمنإماماأي يقتدي بنا ونتبع في الهداية والتوفيق ، وإمام معناها أئمة ، لأن إمام مصدر يوصف به الواحد والجمع والذكر والأنثى .