ومن أحوال المؤمن السلبية ، وإن جاء بشكل فيه مظهر إيجاب ما ذكره سبحانه وتعالى بقوله:
{ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} .
ذكروا بآيات ربهم بأن تليت عليهم آياته إن كانت متلوة أو ذكروا بآية كونية في خلقه السموات والأرض ، وإبداعه في خلق الإنسان{ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} الخرور في اللغة يطلق على السقوط الذي يكون صوتا أو النزول من أعلى إلى أسفل نسبيا بصوت ، كخرور الماء فإنه نزول من مكان يعلو نسبيا إلى ما دونه ، والخرور قد يكون معنويا بالسجود لله تعالى:{ خروا سجدا وبكيا} وإن خرور السجود حسي معنوي ، فهو ينزل ساجدا لله تعالى فيلتقي فيه الخرور الحسي والخرور المعنوي .
ومعنى النص السامي أنهم إذا ذكروا بآيات الله تعالى:{ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} والصمم والعمى هنا يراد به عدم الاعتبار بالآيات ، فكأنهم صم لم يسمعوا ، أو عميان لم يروا ، وهذه أخلاق المشركين فهم الذين يخرون كالصم والعمي لا يعتبرون ولا يدركون ، وليس المراد وصف المشركين بهذا الوصف السلبي ، فقط ، بل إنه وصف المؤمنين عباد الرحمن بأنهم على نقيض وصف الظالمين يخرون سجدا وبكيا ، فهم ليسوا كأخلاق هؤلاء لا يعتبرون ، بل يعتبرون ويخرون لله في كل آية يسمعونها ، وفي كل عبرة يعتبرونها ، وينظرون إلى خلق الله تعالى نظرة مدركة مستبصرة مستهدية طالبة الرشاد ، فهذا النص يشتمل على نفي الحال التي يكون عليها المشركون ، فهم لا يخرون صما وعميانا ، بل يخرون ناظرين مدركين متفهمين ، كقول العرب:مثلك لا يبخل ، فالمراد به في كلام العرب:أنت لا تبخل .
وهنا إشارة بيانية نذكرها ، وهي أن الله تعالى يقول:لا يخرون صما وعميانا بنفي الخرور ، وفي ذلك إشارة إلى أن الآيات التي تتلى أو توجه الأنظار في المخلوقات من شأنها أن تجعل من يتأملها ويسمعها أن تجعله يخر خرورا لوضوح إعجازها ودلالتها ، لكن عباد الرحمن يخرون سجدا وبكيا ، والكافرون يخرون صما وعميانا .