القرآن عربي مبين
قال تعالى:
{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 192 ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( 193 ) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ( 194 ) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ( 195 ) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ( 196 ) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 197 ) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ( 198 ) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( 199 ) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ( 200 ) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ( 201 ) فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( 202 )} .
كان هذا القصص الكريم الذي شمل بعضا من قصة موسى الكليم وإبراهيم الخليل ، وقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وأصحاب الأيكة مصورا لطبائع المفسدين ، ومقاومة النبيين ، وطلب المعجزات المادية واستجابة الله تعالى لهم في معجزاتهم ، وكفر أكثرهم من غير ارتداع ، أخذ يبين سبحانه من بعد ذلك المعجزة الكبرى الخالدة ، وهي القرآن الكريم ، فقال:
{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 192 ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( 193 ) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ( 194 )} .
الضمير في قوله تعالى:{ إنه} يعود على القرآن الكريم ؛ لأنه وإن لم يكن له ذكر في اللفظ هو مذكور في نفوس المؤمنين والمشركين ، أما ذكره في قلوب المؤمنين فلأنها عامرة به سامعة لتلاوته وتقشعر أبدانهم لسماعه ، ويطمئنون بتلاوته ، وأما ذكر الجاحدين له فلأنهم في حيرة من بلاغته ، وأصابت قلوبهم فصاحته ، وهم في ردهم له يخالط نفوسهم بحلاوته وجلاله فهو مذكور عند المؤمن به ، والجاحد له .
وقد وصفه الله سبحانه وتعالى بثلاث صفات معلية له مشرفة بنسبته فوق شرفه الذاتي من بلاغة وشمول الشرع .
الأولىأنه تنزيل من رب العالمين ، والتنزيل النزول جزءا بعد جزء منجما مقطعا ، ليسهل حفظه ، وليرتل ترتيلا ، وليعلم النبي قراءته وتلاوته ، ويتعلمها منه أصحابه ، وبذلك تكون تلاوة القرآن مرتلا متواترة ، كما قال تعالى:{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( 9 )} [ الحجر] ، وقد أشرنا إلى ذلك في عدة مواضع عند ذكر معاني الذكر الحكيم .