وقد بين سبحانه وتعالى تلقي المشركين للقرآن ، فقال عز من قائل:
{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ( 5 ) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ( 6 )} .
الذكر هنا ليس القرآن كله ، إنما هو بعض ما ينزل من مواعظ مذكرة ، وقصص وأحكام تذكر ، وعبّر بلفظ ،{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ} على أن ذلك قريب محدث مجرد لمعنى التذكر والتفكر لمن هو أهل لذلك ، إلا كانت حالهم حال إعراض ، فالاستثناء من أعم الأحوال ، والجملة بعد ( إلا ) منصوبة في معناها على الحال . وإن هذا الذكر من الرحمة بهم ، لأن التذكير رحمة ، ولذا قال تعالى:{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ} أي من الله تعالى الذي هو مصدر الرحمة ، والذي لا يكون منه إلا ما هو رحمة ، فهم يعرضون عن الذكر وهو رحمة بهم ، فكل شيء منه رحمة جزاؤه رحمة ، وعقابه رحمة ، ومواعظه وشرائعه رحمة ، و( من ) في قوله تعالى:{ من ذكر} لبيان عموم الاستغراق ، ومن الثانية للابتداء وبيان من صدر عنه التذكير الذي هو رحمة للعباد ، وكانوا دالة على استمرارهم في الإعراض كأنه شأن من شئونهم ، وحال دائمة من أحوالهم ، وتقديم{ عنه} عن متعلقها ، وهي ( معرضون ) لأن التقديم يفيد معنى الاختصاص ، أي كأنهم لا يعرضون إلا عن الحق ، ومن فساد نفوسهم لا يعرضون عن باطل ، بل لا يعرضون إلا عن الحق لأنه يلائم فساد نفوسهم ، وضلال تفكيرهم .