{ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً} ، أي معجزة من السماء قاهرة تقسرهم على الإيمان قسرا بحيث لا يكون لديهم احتمال التكذيب أو الرد ، أو التفكير ، فيؤمنوا مقهورين مقسورين ، غير مفكرين ، وما كانت مثل هذه الآية من عند بعث أي رسول ، بل كانت عقابا عاجلا في الدنيا على كفرهم على الاختيار ، وبها ينتهي أمرهم وجدلهم .
والتعليقبإنيومئ إلى أن الله لا يغفل جلت قدرته ، لأنه سبحانه كما تدل أعماله ، يريد التكليف لا مجرد الامتناع عن الشر والعصيان .
وقال سبحانه ما يدل على أن الآية التي لو شاء لأنزلها قاهرة مانعة من المخانعة ، ولذا قال ( عليهم ) الدالة بكلمة ( على ) على القهر والقسرة ، وذلك غير ما أودعه الله الإنسان من علم وفكر أراد له به الخلافة في الأرض ، وفضله على الخلق أجمعين ، حتى على الملائكة ، إن استقام وسار على الجادة .
{ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} ، أي فظلوا واستمروا لها خاضعين ، وعبر عن خضوعهم بالأعناق على سبيل المجاز المرسل ، إذ عبر باسم الجزء عن الكل ، لأن لهذا الجزء مزية في هذا المقام عن بقية الأجزاء ، إذ هو مظهر الخضوع والخنوع ، وللإشارة إلى أن استكبار الكافرين هو الذي منعهم من الإيمان فعبر بهذا للدلالة على أنهم يخضعون ولأن العنق يعبر به عن الكبراء المتجبرين ، فيقال عنق القوم أي كبارهم المسيطرون أو المتغطرسون ، وهذه الآية كقوله تعالى:{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وكقوله تعالى:{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} وعبر بخاضعين التي هي وصف العقلاء بدل خاضعات التي هي مقتضى السياق للدلالة على أن المقصود من ذلك هو الأشخاص .
ومما يجب التنبيه إليه أنه عبر بالماضي في معنى المضارع للدلالة على تأكد خضوعهم وأنهم يظلون خاضعين غير متمردين ، ولكنه أراد الاختيار تكريما لبني آدم في الأرض كما أراد أن يجعله خليفة .