4-{إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}
لو نشاء لأنزلنا عليهم معجزة أو آية ،تضطرهم إلى الإيمان القهري ،لكنا لا نفعل ذلك ؛لأننا لا نريد من الناس إلا الإيمان الاختياري ،الذي يحتكم إلى العقل والإرادة والاختيار ،وتلك حكمة الله وإرادته ،فقد خلق الكون ،وأرسل الرسل ،وأنزل الكتب ،ودعا الناس إلى الإيمان ،وشرح للناس مظاهر القدرة الإلهية ،وبيّن للناس أسباب الهداية ،وفضائل الإيمان وآدابه ،وثواب السير على الصراط المستقيم ،وبيّن أسباب السعادة الدنيوية والأخروية ،وترك للإنسان اختيار الطريق الذي يريده ،عن حرية وطواعية ،قال تعالى:{ونفس وما سواها*فألهمها فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها} [ الشمس: 7-10] .
وقال سبحانه:{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [ يونس: 99]
وقال سبحانه:{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ...} [ هود: 118}
لقد علم الله أزلا أن هذه هي الرسالة الخاتمة ،وأن هذا القرآن هو آخر الكتب السماوية ،فاشتمل على ألوان من الإعجاز في أسلوبه وبيانه ،وألفاظه ونظامه ،الإعجاز فيما اشتمل عليه من ألوان العلوم والفنون ،التي لم يكن يعلمها أحد وقت نزول القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي ،الإعجاز في إخباره عن أمور مستقبلية ،مثل هزيمة الفرس أمام الروم ،ومثل تطور العلوم تطورا عظيما ،ومع تقدم العلوم فإنها لم تصطدم بأي حقيقة علمية جاء بها القرآن ،بل إن تقدم العلوم أكد صدق القرآن وإعجازه ،فقد تحدث القرآن عن بدء الخليقة ،وعن خلق السماء والأرض والبحار والأنهار ،وعن حركة الأرض والشمس والقمر ،وعن تطور خلق الجنين في بطن أمه ،وعن فقد الجسم للإحساس عند احتراق الجلد ،وعن خلق الله من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى ،ليتم التوالد وإعمار الحياة ،بتناسل الإنسان والحيوان والنبات ،وتحدث القرآن عن نهاية الحياة وقيام القيامة ،وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ،وكل هذه الأمور وغيرها أيّدها تقدم العلوم ،وكان تقدم العلوم في حد ذاته توثيقا لصدق القرآن وإعجازه ،قال تعالى:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ..} [ فصلت: 53]