وهم في هذا الادعاء كانوا ضالين يدركون الحقائق ، وتذعن أفهام لها ، ولكنهم يجحدونها ، وهي بينة واضحة يذعن لها أهل الحق ، ولذا قال تعالى في حالهم{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} ، والجحود نفي ما يثبت في العقل ، وإثبات ما ينفي في العقل ، فهؤلاء يجحدون الحق بعقولهم وأقوالهم ، ولكن نفوسهم مستيقنة لأنها لا سبيل لها لأن تنكر وتجحد ، فهم بتوارد الأدلة المختلفة ، وتكاثرها ، ولأن نفوسهم فطرية يتيقنون ويذعنون ولكن يعارضهم جو عام وبيء ، فنفوسهم مستيقنة بالحق ، وتذعن له لولا مقاومة التيارات الفاسدة التي تدفعهم إلى الجحود دفعا .
وقد بين سبحانه وتعالى ذلك مشيرا إليه بأنه الظلم ، فقال:{ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ، وهما مفعول لأجله ، من فعل ( وجحدوا ) ، أي جحدوا وأنكروا ، وخالفوا نفوسهم ، وفطرتهم ، لأجل الظلم ، أي استمرارهم في الظلم والطغيان ، ومعاضدتهم لفرعون في ظلمه وعدوانه وإرادتهم العلو في الأرض ، وقد أدى ذلك الطغيان الآثم ، والعلو الباطل إلى فساد الأرض ، وإلى غرضهم ، ولذا قال تعالى:{ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ؛ أي انظر كيف كان مآل الفساد ، وهو الخراب ، وهو الخراب والغرق ، والفساد كان في الظلم ، وإرادة العلو بالباطل ، إنه لا يفسد الجماعات إلا الظلم أولا ، والتعالي بالباطل ثانيا ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وهو الغرق والهلاك ، وهو عاقبة الجحود الظالم المستعلي المفسد .