أتينا بما ذكر القرآن الكريم من قصة سليمان في سورة النمل ، وقد ذكرناها كلها جملة واحدة ، وقد ذكر قصة سليمان وأشار إلى قصة أبيه داوود عليهما السلام ، وكانا ملكين قد أعطاهما الله تعالى سلطانا وعلما ، ليعلم ما يجب أن يكون عليه الحكام من أخلاق ، قال تعالى:
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ( 15 )} .
الواو لاستئناف قصة نبيين من الأنبياء امتازا بتمكين الله تعالى لهما في الأرض بما لم يكن مثله لأحد من الأنبياء قبلهما ، فقد كان إبراهيم وأبناؤه من الأنبياء يقامون الملوك الظالمين ، وقد رأينا فيما قصه الله تعالى علينا من قصة موسى كيف كان يقاوم فرعون ، وأتاه بتسع آيات بينات فما ارتدع وآمن ، حتى أغرقه الله ، فقال عند الغرق الآن آمنت برب هرون وموسى وبني إسرائيل ، وليست هذه توبة{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( 17 ) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 18 )} [ النساء] . أما داوود وسليمان فقد كانا ملكين ، وإذا كانت الملوك الذين بعث فيهم الأنبياء صورة للعصاة المنحرفين عن الحق فقد كان داوود وسليمان صورة عالية للملك الذي يخاطبه الوحي ويهديه ويرشده ، كما قال تعالى لداوود:{ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ( 26 )} [ ص] .
وقوله تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} أكد الله سبحانه أنه أعطى داوود وابنه سليمان علما ، باللام وبقد فإنها تدل على التحقيق ، ونكّر سبحانه{ علما} للإشارة إلى أنه علم عظيم لا يقدر قدره ، فقد أعطى داوود علم القيادة ، وعلم إدارة الدولة ، وعلم صناعة أدوات كما قال تعالى:{ وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ( 80 )} [ الأنبياء] وأعطى سليمان علم منطق الطير ، كما ستشير الآيات لذلك ، وعلم الابن ثمرته تعود على الأب ، فهو شخصه ممتد ، وكسبه كسب له كما هو مقرر بحكم الفطرة ، ولذلك حمدا الله على ما آتاهما من فضله:{ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} وكان التفضيل أولا بالعلم ، وثانيا بالسلطان والحكم ، وهذا يستوجب الحمد والشكر لا الظلم والطغيان ، ونقول إن الله أعطاهما الذي أعطاه ، وهو نعمة ، وتكليف ، فالمؤمن يحسب النعمة تكليفا ، والتكليف بالنسبة للحكام العدل